للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع اتصافه بما يستحقه من أسمائه وصفاته، وأهل العقول أعجز عن أن يحدوه أو يكيفوه منهم عن أن يحدوا الروح أو يكيفوها ... " (١) .

ومثل الروح كثيراً ما يسوقه شيخ الإسلام لنفي اشتراط معرفة كيفية الصفات لإثباتها، وخاصة في مثل صفة الاستواء والنزول والمجئ، وقد أوضح شيخ الإسلام هذا المثل أيما إيضاح في مناسبات عديدة (٢) .

المسألة الخامسة: تقابل العدم والملكة (٣) ،

والرد على الملاحدة الغلاة:

هذه المسألة من شبه الغلاة من الجهمية والقرامطة في نفيهم للصفات، وليس الغريب إيرادهم لها، لأن الباطل وأهله لا يتوقفون عن إيراد الأدلة على باطلهم ولو كانت ضعيفة متهافتة، وإنما الغريب أن يذعن لهذه الشبهة بعض النظار من المتكلمين ويعتقدوا أن اعتراضهم وشبهتهم صحيحة (٤) .


(١) التدرية (ص: ٥٦) - المحققة -.
(٢) انظر مثل الروح: الفتوى الحموية - مجموع الفتاوى (٥/١١٥-١١٦) ، وشرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (٥/٣٥٤-٤٥٨) ، ومجموع الفتاوى (٩/٢٩٨) ، ودرء التعارض (٦/١٣١) .
(٣) المتقابلان هما اللذان لا يجتمعان من جهة واحدة، وهما أنواع:
(I) ... الضدان، وهما اللذان لا يجتمعان ولكن قد يرتفعان، كالسواد والبياض.
(II) ... المتضايفان، كالأبوة والبنوة، فهذان قد يجتمعان لكن من جهتين، لا من جهة واحدة، فالأبوة والبنوة قد تجتمع في زيد لكن من جهتين، فإن أبوته بالقياس إلى ابنه، وبنوته بالقياس إلى أبيه.
(III) ... المتقابلان بالسلب والإيجاب، وهما أمران أحدهما عدم الآخر مطلقا، كالفرسية، واللافرسية، ومثل: زيد حيوان، زيد ليس بحيوان.
(IV) ... المتقابلان بالملكة والعدم: وهما أمران أحدهما وجودي والآخر عدم ذلك الأمر الوجودي لا مطلقا، بل من القابل، كالبصر والعمى والعلم والجهل، فالعمى عدم البصر عما من شأنه البصر، والجهل عدم العلم عما من شأنه العلم.

والمراد بالملكة~: كل معنى وجودي أمكن أ، يكون ثابتا للشيء إما بحق جنسه كالبصر للإنسان أو بحق نوع ككتابة زيد، أو بحض شخصه كاللحية للرجل، وأما العدم المقابل لها فهو ارتفاع هذه الملكة.
فقال هؤلاء: لما لم يكن الجماد، كالحجر، قابلا للاتصاف بالبصر والعمى، فإنه لا يقال فيه: أعمى ولا بصير (انظر التعريفات ص: ١٠٥-١٠٦، والمعجم الفلسفي - صليبا ٢/٣١٨-٣١٩) .
(٤) ذكر هذه المسألة قد يكون من باب الاستطراد، خاصة في مثل هذا البحث الذي كثرت فروعه وتشعبت مسائله، ولكن الذي دعا إلى ذلك أمور:
أحدها: أن بعض الأشاعرة - كالآمدي - ذكروا صحة هذه الشبهة وصعوبة الجواب عنها.
والثاني: أن هذه الشبهة لم يقتصر مداها وخطرها على مبحث صفة السمع والبصر والكلام؛ التي أثبتها الأشاعرة وغيرهم بطرق، منها لسمع، ومن ثم فصحة هذه الشبهة لم يقدح في ثبوت هذه الصفات بأدلة أخرى، وإنما تعداها إلى صفات أخرى كالعلو، حيث احتج من يقول أنا أقول: إن الله لا داخل العالم ولا خارجه، أو لا قائم بنفسه ولا قائم بغيره بهذه الحجة، وإنهما متقابلان تقابل العدم والملكة.
انظر مثلا: درء التعارض (٦/١٢٧-١٢٨) .
والثالث: كثرة إيراد شيخ الإسلام لهذه المسألة في كتبه أثناء مناقشته لنفاة الصفات، ومن ثم فإيرادها هنا قد يفيد في بيان مدخل هذه المسألة وسبب إيرادها في مناسبات عديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>