وخلاصة المسألة أن الصفاتية احتجوا على إثبات صفة السمع والبصر والكلام لله بدليل الكمال، وهو أنه لو لم يكن متصفاً بهذه الصفات لا تصف بضدها، فاعترض النفاة على هذا بأن هذا يلزم في القابل لها، أما غير القابل - كالجماد - فنفي البصر عنه لا يلزم منه العمى، لكونه غير قابل لهما، يقول شيخ الإسلام في أحد المواضع - وكلامه في ذلك كثير -: "فإن قيل لهم: إذا لم يوصف بصفة الكمال، لزم اتصافه بهذه النقائص. قالوا: هذا إنما يكون فيما يقبل الاتصاف بهذا وهذا، ويقول المنطقيون: هذان متقابلان تقابل العدم والملكة، لا تقابل السلب والإيجاب، والمتقابلان تقابل السلب والإيجاب لا يرتفعان جميعاً، بخلاف المتقابلين تقابل العدم والملكة، كالحياة والموت، والعمى والبصر، فإنهما قد يرفتعان جميعا إذا كان المحل لا يقبلهما كالجمادات، فإنها لما لم تقبل الحياة والبصر والعلم لم يقل فيها إنها حية ولا ميتة، ولا عالمة ولا جاهلة.
وقد أشكل كلامهم هذا على كثير من النظار، وأضلوا به خلقاً كثيراً، حتى الآمدى وأمثاله من أذكياء النظار، اعتقدوا أن هذا كلام صحيح، وأنه يقدح في الدليل الذي استدل به السلف والأئمة ومتكلموا أهل الإثبات في إثبات السمع والبصر وغير ذلك من الصفات، وهذا من جملة تلبيسات أهل المنطق والفلسفة التي راجت على هؤلاء فأضلتهم عن كثير من الحق الصحيح، المعلوم بالعقل الصريح" (١) .