وموقف الآمدى - المتأثر بهذه الشبهة كما ذكر شيخ الإسلام - ذكره في أبكار الأفكار، وفي غاية المرام، فقد قال في الأبكار بعد ذكر الشبهة وأنواع المتقابلات:"فإن أريد بالتقابل ها هنا تقابل التناقض بالسلب والإيجاب وهو أنه لا يخلو من كونه سميعا وبصيرا ومتكلما أو ليس، فهو ما يقوله الخصم ولا يقبل نفيه من غير دليل.. وإن أريد بالتقابل تقابل العدم والملكة فلا يلزم أيضاً من نفي الملكة تحقق العدم ولا بالعكس، إلا في محل يكون قابلا لهما، ولهذا يصح أن يقال: الحجر لا أعمى ولا بصير، والقول بكون الباري تعالى قابلا للبصر والعمى دعوى محل النزاع، والمصادرة على المطلوب، وعلى هذا فقد امتنع لزوم العمى والخرس والطرش في حق الله تعالى من ضرورة نفي البصر والسمع والكلام عنه (١) ". ولما رأى الآمدى صدق هذا الاعتراض أحال على طريقة أخرى في الاستدلال لهذه الصفات، أما أصحابة الشبهة من القرامطة وغيرهم فقد قالوا بسلب النقيضين فقالوا: نقول: لا أعمى ولا بصير وهكذا.
وقد رد شيخ الإسلام على هذه الشبهة وعلى من صححها، وبين زيفها وبطلانها من وجوه عديدة منها:
١- أن ما لا يقبل الاتصاف بصفات الكمال أنقص مما يقبل الاتصاف بصفات الكمال، ولذلك كان الحجر أنقص من الحي الأعمى، وحينئذ فإذا كان اتصافه بكون أعمى، أصم، أبكم ممتنعا، مع كون المتصف بذلك أكمل من الجماد والذي لا يقبل الاتصاف بهذا وضده؛ علم أن القول بأنه تعالى غير قابل للاتصاف بذلك أعظم في نقصه، وهو أشد امتناعا.
٢- أن هذا اصطلاح اصطلحتم عليه، وهو باطل من وحهين:
أأن ما لا حياة فيه ييسمى مواتا وميتا، وهذا موجود في لغة العرب، وقد جاء في القرآن، قال تعالى:{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ * أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ}(النحل: من الآية٢٠-٢١) ، وهذا في أصنام العرب
(١) أبكار الأفكار (١/٥٧) - ب، وانظر: غاية المرام (ص: ٥٠-٥١) ، وقارن ذلك بما في التدمرية (ص: ١٥١-١٥٤) مع حاشية المحقق، ودرء التعارض (٤/٣٤-٣٧) ، حيث نقل كلام الآمدي.