للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما إن كنت تقصد به ما تميز منه شيء عن شيء، كتميز العلم عن القدرة، وتميز ما يرىمما لا يرى، ونحو ذلك، أو ما ركب من الوجود والماهية، أو من الذات وصفاتها، فهذا حق، لكن تسمية هذا تركيبا إنما هو اصطلاح اصطلحوا عليه ليس موافقا للغة العرب، ولغة أ؛ د من الأمم، وإذا كان مثل هذا مركبا فما من موجود إلا ولا بد أن يعلم منه شيء دون شيء، والجسم الذي له صفات لا يعرف في اللغة إطلاق كونه مركبا، فإن التفاحة التي لها لون وطعم وريح، لا يعرف في اللغة إطلاق كونها مركبة من لونها وطعمها وريحها، كما لا يعلم في اللغة القول: إن الإنسان مركب من الطول والعرض، أو من حياته ونطقه ... (١)

فحجة الأشاعرة وغيرهم صارت مبنية على مثل هذه الألفاظ المجملة.

والتزام الألفاظ الشرعية، مع الإستفصال عن الإجمال الواقع في المصطلحات الحادثة، هو منهج السلف، وهو المذهب الحق.

٢- إن شبهة التركيب والتجسيم التي اعتمدها جميع النفاة للصفات، سوءا كانوا نفاة لها كلها كالفلاسفة والمعتزلة، أو نفاة لبعضها كالأشاعرة - قد طعن كل فريق في أدلة الفريق الآخر عليها.

وهذا المنهج في الرد المبني على إثبات ردود الخصوم بعضهم على بعض ونقض كل طائفة حجج الطائفة الأخرى - هو منهج فريد، تميز به شيخ الإسلام وقد كان لما حباه الله من إطلاع واسع، وحافظة قوية، وسرعة في البديهة أثر في استحضار الأقوال والنصوص، والاحتجاج بها في مواضعها.

ومن الأمثلة على ردود بعض من يحتج بالتجسيم أو التركيب على بعض:

أأن الغزالي رد على الفلاسفة لما احتجوا بالتركيب على نفي الصفات وقالوا: متى أثبتنا معنى يزيد على مطلق الوجود كان تركيبا، وجعلوا التركيب خمسة أنواع - وقد تقدمت - فرد عليهم وقال: "ومع هذا فإنهم يقولون في الباري تعالى: إنه مبدأ، وأول، وموجود، وجوهر، وواحد، وقديم، وباق،


(١) انظر: درء التعارض (١/٢٨٠-٢٨١، ٥/١٤٦-١٤٧) .

<<  <  ج: ص:  >  >>