للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- لخوضهم في علوم الفلسفة والكلام وثقتهم فيها - ظنوا أن مثل هذه الشبه الباهتة الهزيلة صحيحة، فقدموها على نصوص الوحي الواضحة.

وإذا كان هؤلاء المتكلمون قد استدلوا على حدوث الأجسام بقصة الخليل، وقوله: {لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ} (الأنعام: من الآية٧٦) - وقد سبق الرد على استدلالهم بها بالتفصيل - فإن منهم من احتج أيضاً على نفي التجسيم - وأنه لازم للاستواء على العرش - بقوله تعالى في قصة موسى والسامري حيث قال تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} (لأعراف: من الآية١٤٨) ، وقالوا في احتجاجهم بها: ذم الله من اتخذ إلها جسدا، والجسد هو الجسم، فيكون الله قد ذم من اتخذ إلها هو جسم، وإثبات هذه الصفات - كالاستواء وغيره - يستلزم أن يكون جسما، وهذا منتف بهذا الدليل الشرعي (١) .

وقد رد شيخ الإسلام على هذا الاستدلال من عشرة أوجه، منها:

أأن هذا إنما دل على نفي أن يكون جسدا، والجسم في اصطلاح نفاة الصفات أعم من الجسد. وذكر شيخ الإسلام تفصيلات لغوية، وبين أنه لا دليل لهم في ذلك، وهو على كل تقدير من الألفاظ المجملة ولا بد من الاستفصال فيها.

ب أن الله منزه أن يكون من جنس شيء من المخلوقات، من بني آدم أو من الحيوانات أو غيرها، والله تعالى ذكر أن العجل كان جسدا بمعنى أنه لا حياة فيه - وقد قيل إنه خار خورة - والمقصود أنه كان مسلوب الحياة والحركة، وهذا أشد في النقص. ولو أخرج لهم عجلا كسائر العجول، أو آدميا أو فرسا حيا لكان أيضا له بدن وجسم، ولكانت الفتنة به أشد.

ت أن الله تعالى قال: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً} (لأعراف: من الآية١٤٨) "فلم يذكر فيما عابه كونه ذا جسد، ولكن ذكر فيما عابه به أنه لا يكلمهم


(١) انظر: مجموع الفتاوى (٥/٢١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>