فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران:٧) ، ويبنون احتجاجهم بها على أن الصفات من المتشابه، ويقررون ذلك بأمرين:
إما بالإستدلال بها على أن مذهب السلف هو التفويض الكامل، الشامل للمعنى وللكيفية، وذلك عند ردهم على من يثبت الصفات ويحتج بما تواتر من إثبات السلف - رحمهم الله - لها. فيحتجون بهذه الآية على قراءة الوقف على "إلا الله". وهذا التفويض الذي جعلوه مذهبا للسلف يقصدون منه أنهم - أي السلف - جعلوا هذه الصفات من المتشابه، وأثبتوها ألفاظ مجردة لا تدل على معان ولا يفهم منها شيء. وهدفهم النهائي من ذلك أن يجعلوا تأويلهم للصفات وصرفها عن ظواهرها اللائقة بالله، موافقا ضمنا لما يدعونه من تفويض السلف، إذ على كلا الحالتين لا تدل النصوص على الصفات اللائقة بجلال الله وعظمته.
وإما - وهذا هو الأمر الثاني - أن يستدلوا بالآية على جواز التأويل - الذي هو عند المتأخرين صرف اللفظ من الاحتمال الراجح إلى الاحتمال المرجوح - ويقولون: إن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابهات - ومنها على زعمهم الصفات - وهذا على قراءة مجاهد وغيره بعطف - (والراسخون في العلم) على ما قبله.
والمحكم والمتشابه من مباحث علوم القرآن المشهورة، وقد تعددت الأقوال ف بتحديد المقصود بالمحكم والمتشابه المذكورين في آية عمران (١) .
أما الإحكام العام الذي دل عليه مثل قوله تعالى:{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُه}(هود: من الآية١) ، والتشابه العام الذي دل عليه مثل قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ
(١) انظر: البرهان (٢/٦٨) ، والاتقان (٣/٣-٥) ، ومناهل العرفان (٢/١٦٨-١٧١) ، واللآلي الحسان في علوم القرآن تأليف موسى لاشين (ص: ١٥٧-١٥٨) ، وتفسير سورة الإخلاص - مجموع الفتاوى (١٧/٤١٨-٤٢٤) .