للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الترجيح الذي رجحه شيخ الإسلام في المتشابه مبنى على الأمر السابق وهو أن القرآن مما يعلم معناه، وأن آياته ليس فيها ما لا سبيل إلى العلم به.

الأمر الثالث: هل ما خالف الدليل العقلي هو المتشابة؟:

سبق في بداية هذه المسألة - مسألة المحكم والمتشابه - ذكر أن من حجج الرازي الذي قصد بها دعم مذهب الأشاعرة، أنه لا يجوز ترك ظاهر النص إلا بدليل، ثم ذكر أن الدلائل اللفظية لا تكون قطعية لأنها موقوفة على عشرة أمور. ولذلك عول على الدليل العقلي وأن ما خالفه فهو من المتشابه ويجب تأويله بما يوافقه.

ومسألة العقل والنقل سبق الحديث عنها، وتبين أن القول بتعارضهما، أو تقديم العقل عند توهم التعارض بينه وبين الشرع، من أعظم الباطل. وقد رد شيخ الإسلام على كلام الرازي السابق - حول التعويل على الدليل العقلي لتمييز المحكم من المتشابه وأن الأدلة اللفظية ليست قطعية - من وجوه عديدة (١) ، تعقب فيها عبارات الرازي التي أوردها في أساسه وبين فيها خطأه وتناقضه، مبينا أن كلامه هذا يؤدي إلى عدم الاستدلال بالسمع أصلا - وهو ما صرح به في بعض كتبه - لأن الاحتجاج به موقوف عنده على نفي المعارض العقلي (٢) ، ولذلك يقول شيخ الإسلام في أحد الأوجه: "إنك صرحت هنا وفي غير هذا الموضع أن شيئا من الدلائل اللفظية لا يفيد العلم، وحينئذ فالظاهر سواء عارضه دليل عقلي أو لم يعارضه لا يحصل به علم عندك، فإذا أقر الظاهر فإنما يفيد عندك الظن، [و] (٣) الظن لا يجوز التمثيل به في الأصول، فكل آية دلت على مسألة أصولية لا يجوز الاحتجاج بها عندك، بل يجب أن يكون من المتشابه، وعلى هذا فليس القرآن في هذا الباب منقسما عندك إلى محكم ومتشابه، ومع هذا أنه (٤) مناقض لما تقرره فهو مخالف لصريح القرآن والسنة والإجماع،


(١) انظر: نقض التأسيس - مخطوط - (٢/٣٠٣-٣٥٧) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٢/٣٠٨) .
(٣) في المخطوطة بالفاء، ولعل صوابها بالواو كما أثبت.
(٤) كذا في المخطوطة ولعل صحة العبارة: ومع أن هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>