للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر شيخ الإسلام أن في ذلك قولين:

أحدهما: أنها آيات بعينها تتشابه على كل الناس.

والثاني: وهو الصحيح، أن التشابه أمر نسبي، فقد يتشابه عند هذا مالا يتشابه عند غيره، ولكن ثم آيات محكمات لا تشابه فيها على أحد. وتلك المتشابهات إذا عرف معناها صارت غير متشابهة، بل القول كله محكم كما قال: {أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ} (هود: من الآية١) (١) .

وقد أطال شيخ الإسلام في تقرير هذا الذي رجحه وصححه، وذكر له أدلة كثيرة من الكتاب والسنة، مدللا على وقوعه ووجوده عند بعض الناس (٢) ، وهذا التشابه النسبي أو الإضافي ليس له ضابط فهو من جنس الاعتقادات الفاسدة، ولذلك تعددت التأويلات وتفاوتت فالفلاسفة والباطنية لهم تأويلات لنصوص الكتاب، والجهمية والمعتزلة يبطلون تأويلات الفلاسفة والباطنية ويجعلون الآيات التي أولوها تأويلات قرمطية وفلسفية - آيات محكمة، لكنهم يؤولون نصوصا أخرى يقولون إنها متشابهة، والأشاعرة يقولون إن هذه الآيات التي أولها المعتزلة هي آيات محكمة لا يجوز تأويلها، ثم يتأولون آيات أخرى. وهكذا. فكل طائفة تدعي أن المحكم ما وافق قولها والمتشابه ما خالفه (٣) .

والإمام أحمد -رحمه الله- ألف رسالته المشهورة في الرد على الزنادقة والجهمية فيما شكت فيه من متشابه القرآن وتأولته على غير تأويله (٤) ، ثم إنه لما رد على هؤلاء في استدلالاتهم الباطلة، لم يقل هذه الآيات من المتشابه وسكت عنها، وإنما رد عليهم وبين أحكامها، وفسرها، وذمهم على أنهم تأولوها على غير تأويلها الصحيح (٥) .


(١) الفرقان بين الحق والباطل - مجموع الفتاوى (١٣/١٤٤) .
(٢) انظر: نقض التأسيس - مخطوط - (٢/٢٦٠-٢٦٧) ، وانظر: الصواعق المرسلة (١/٢١٣) ت الدخيل الله.
(٣) انظر: المصدر السابق (٢/٢٦٧-٢٧٣، ٣٠٥-٣٠٧) .
(٤) انظر: الرد على الزنادقة والجهمية - ضمن مجموع عقائد السلف - (ص:٥٢) .
(٥) انظر: الفرقان بين الحق والباطل - مجموع الفتاوى (١٣/١٤٤) ، وتفسير سورة الإخلاص - مجموع الفتاوى (١٧/٢٨٠-٣٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>