للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعوى الرازي أن دلائل القرآن موقوفة على عشرة مقدمات ظنية باطل من وجوه (١) ، ولو كان كما زعم لما صار القرآن نورا وهدى وإذا كان بعض الناس قد يحتاج لبعض هذه المقدمات لفهم بعض الآيات - وهذا مما لا ينكر لأنه قد يوجد من هو حديث عهد بالإسلام أن نشأ ببادية بعيدة - إلا أن تعميم ذلك لجميع الناس ولعموم الآيات هو من أظهر البهتان (٢) .

وقول الرازي أن المعول عليه في تحديد المتشابه مخالفة دليل العقل أدى به إلى مقالته الأخرى الباطلة حين ذكر من حكم إنزال المتشابه مخاطبة العوام بما يناسبهم مما ظاهره التجسيم والتشبيه، ليناسب ما توهموه أو تخيلوه، وإنه يجب أن يكشف لهم في النهاية عن أحكام هذه الآيات بتأويلها بما يوافق العقول، يقول شيخ الإسلام عن الرازي، إنه "جعل هو المتشابه ما خالف الدليل العقلي، والمحكم ما لم يخالف الدليل العقلي، فجعل الإحكام هو عدم المعارض العقلي، لا صفة في الخطاب، وكونه في نفسه قد أحكم وبين وفصلن مع أنا لم عارض العقلي لا يمكن الجزم بنفيه إذا جوز وقوعه في الجملة، ولهذا استقر أمره على أن جميع الأدلة السمعية القولية متشابهة لا يحتج بشيء منها في العمليات، فلم يبق على قوله لنا آيات محكمات وهن أم الكتاب بحيث يرد المتشابه إليها ولكن المردود إليه هو العقلي، فما وافقه أو لم يخالفه فهو المحكم، وما خالفه فهو المتشابه، وهذا من أعظم الالحاد في أسماء الله تعالى وآياته، ولهذا استقر قوله في هذا الكتاب (٣) على رأى الملاحدة الذين يقولون إنه أخبر العوام بما يعلم أنه باطل لكون عقولهم لا تقبل الحق، فخاطبهم بالتجسيم (٤) مع علمه أنه باطل، وهذا مما احتج به الملاحدة على هؤلاء في المعاد، وقالوا خاطبهم أيضاً بالمعاد كما خاطبهم بالتجسيم، وهؤلاء جعلوا الفرق أن المعاد علم بالاضطرار من دين الرسول" (٥) .


(١) انظر: نقض التأسيس - مخطوط (٢/٣٢١) وما بعدها.
(٢) انظر: المصدر السابق (٢/٣٢٨-٣٢٩) .
(٣) أي ساس التقديس.
(٤) انظر: أساس التقديس للرازي (ص:١٩٢) ، وقد سبق نقل كلامه في بداية هذه المسألة.
(٥) انظر: نقض التأسيس - مخطوط - (٢/ ٢٧٤-٢٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>