وهذه المسألة الأخيرة هي مسألة تسلط الفلاسفة والقرامطة على المتكلمين وقد سبق توضيحها في المنهج العام (١) .
الأمر الرابع: أن الصفات ليست من المتشابه:
وهذا هو محك الخلاف ونتيجته، ولن أن الكلام في المحكم والمتشابه سلم من إقحام الصفات فيه وطلب تأويلها وتحريف نصوصا تذرعا بأنه من المتشابه، كما فعل أهل البدع والكلام - لبقي الخلاف فيه مثل غيره من مسائل علوم القرآن كأول ما نزل وآخر ما نزل، والمكي منه والمدني، وغيرها - قابلا لتعدد الآراء واختلافها.
ومع أن الكلام في الأمر الأول - المتعلق بمنع قول أن في القرآن ما لا سبيل لنا إلى العلم - شامل لموضوع الصفات، إلا أن شيخ الإسلام ناقش هذه المسألة - التي وقع فيها بعض الحنابلة أيضاً - حيث أدخلوا أسماء الله وصفاته - أو بعض ذلك في المتشابه، وبعضهم أعتقد أن ذلك هو المتشابه الذي استأثر الله بعلم تأويله - وقد جاءت مناقشة شيخ الإسلام لمن توهم ذلك من المتكلمين وغيرهم من خلال وجهين:
أحدهما: مناقضة من قال: إن الصفات من المتشابه، وإنه لا يفهم معناه، يقول شيخ الإسلام:"نقول: أما الدليل على بطلان ذلك فإن ما أعلم عن أ؛ د من سلف الأمة ولا من الأئمة، لا أحمد بن حنبل ولا غيره أنه جعل ذلك من المتشابه الداخل في هذه الآية، ونفي أن يعلم أحد معناه وجعلوا أسماء الله وصفاته بمنزلة الكلام الأعجمي الذي لا يفهم، ولا قالوا إن الله ينزل كلاما لا يفهم أحد معناه، وإنما قالوا كلمات لها معان صحيحة، قالوا في أحاديث الصفات: "تمر كما جاءت"، ونهوا عن تأويلات الجهمية - وردوها وأبطلوها - اتلي مضمونها تعطيل النصوص عما دلت عليه. ونصوص أحمد والأئمة قبله بينة في أنهم كانوا يبطلون تأويلات الجهمية ويقرون النصوص على ما دلت عليه من معناها، ويفهمون منها بعض ما دلت عليه، كما يفهمون ذلك في سائر نصوص الوعد والوعيد والفضائل