للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعد ذكر المعاني السابقة: "والمقصود هنا أن السلف كان أكثرهم يقف عند قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّه} بناء على أن التأويل هو الحقيقة التي استأثر الله بعلمها، لا يعلمها إلا هو، وطائفة كمجاهد وابن قتيبة (١) وغيرهما قالوا: بل الراسخون يعلمون التأويل، ومرادهم بالتأول المعنى الثاني وهو التفسير، فليس بين القولين تناقض في المعنى.

وأما التأويل بمعنى صرف اللفظ عن مفهومه إلى غير مفهومه فهذا لم يكن هوالمراد بلفظ التأويل في كلام السلف، اللهم إلا أنه إذا علم أن المتكلم أراد المعنى الذي يقال إنه خلاف الظاهر جعلوه من التأويل الذي هو التفسير، لكونه تفسيراً للكلام وبيانا لمراد المتكلم به، أو جعلوه من النوع الآخر الذي هو الحقيقة الثابتة في نفس المر التي استأثر الله بعلمها لكونه مندرجاً في ذلك لا لكونه مخالفا للظاهر.

وكان السلف ينكرون التأويلات التي تخرج الكلام عن مراد الله ورسوله التي هي من نوع تحريف الكلم عن مواضعه، فكانوا ينكرون التأويل الباطل الذي هو التفسير الباطل، كما ننكر قول من فسر كلام المتكلم بخلاف مراده ... " (٢) .

وقد أراد شيخ الإسلام من هذا الكلام. تقرير عدة أمور:

١- أنه لا يجوز حمل النصوص على مصطلح حادث، بل لا بد من الرجوع أولا إلى الاستعمالات الواردة لهذا اللفظ وقت النزول. ولفظ التأويل لم يرد في الكتاب والسنة وأقوال الصحابة إلا بهذين المعنيين، فحمل لفظ التأويل - في آية آل عمران - على غيرهما باطل.

٢- أن القراءتين الواردتين في الآية صحيحتان (٣) ، ولا تعارض بينهما،


(١) انظر: تأويل مشكل القرآن (ص:٩٨-١٠١) .
(٢) الصفدية (١/٢٩١) .
(٣) انظر: المكتفى في الوقف والابتداء لأبي عمرو الداني (ص:١٩٤-١٩٧) ، ومنار الهدى في بيان الوقف والابتداء للأشموني (ص:٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>