للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال في أحد وجوه الرد على الرازي: "الوجه الثالث: أن يقال: بل هذه الآية دلت على الصفة كغيرها، وذلك هو ظاهر الخطاب وليست مصروفة عن ظاهرها، وإن كانت مع ذلك دالة على استقبال قبلة مخلوقة، ونجزم بذلك فلا نسلم أنها مصروفة عن ظاهرها، ولفظ "الوجه" هو صفة الله، فما الدليل على وجوب تأويلها، وقوله {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّه} فيه الإشارة إلى وجه الله بأنه ثم، والله تعالى يشار إليه كما تقدم تقرير هذا" (١) .

ويجب أن لا يغيب عن البال - في خضم هذه المناقشات - أن الخلاف ليس في إثبات صفة "الوجه" لله تعالى، لأن هذه الصفة ثابتة بنصوص أخرى صريحة قطعية، لا مجال فيها لأي احتمال - وقد أثبتها متقدمو أئمة الأشاعرة - ولكن الكلام هنا يدور حول أحد النصوص الواردة وهو قوله تعالى: {فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} هل هو دال على الصفة أم لا؟.

والخلاصة أن دلالة مثل هذه الآية محتملة، وهي لا تخالف النصوص الأخرىالمثبتة لصفة الوجه، وليس فيما قاله مجاهد - تفسيرا لها - حجة للنفاة على جواز التأويل، وسواء دلت على الصفة أو لم تدل فليس للنفاة فيها حجة أصلا.

٢- ومن الأمثلة أيضاً قوله تعالى: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} (الزمر: من الآية٥٦) ، يقول شيخ الإسلام في معرض رده على الرازي - الذي يذكر بعض النصوص التي تحتاج إلى تأويل، ويحتج بها على جواز التأويل: "يقال: من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد صفة لله، ومن المعلوم أن هذا لا يثبته جميع مثبتة الصفات الخبرية، بل كثير منهم ينفون ذلك، بل ينفون قول أحد منهم بذلك (٢) "، ثم نقل كلام الدارمي في نقضه على المريسي - ورده عليه في احتجاجه بهذه الآية - وأنه قال: "وادعى المعارض زورا على قوم أنهم يقولون في تفسير قوله الله تعالى: {يَا حَسْرَتَى عَلَى


(١) نقض التأسيس - مخطوط - (٣/٨٦) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٣/١١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>