للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صفة لله تعالى لأنه قال {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاق} ولم يقل عن ساق الله، ولا قال يكشف الرب عن ساقه، وإنما ذكر ساقا نكرة غير معرفة ولا مضافة، وهذا اللفظ بمجرده لا يدل على أنها ساق الله، والذين جعلوا ذلك من صفات الله تعالى أثبتوه بالحديث الصحيح المفسر للقرآن، وهو حديث أبي سعيد الخدري المخرج في الصحيحين الذي قال فيه: "فيكشف الرب عن ساقه" (١) ، وقد يقال أن ظاهر القرآن يدل على ذلك من جهة أنه أخبر أنه يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود، والسجود لا يصلح إلا الله، فعلم أنه هو الكاشف عن ساقه، وأيضاً فحمل ذلك على الشدة لا يصح، لأن المستعمل في الشدة أن يقال: كشف الله الشدة، أي أزالها، كما قال {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنْكُثُونَ} (٢)

(الزخرف:٥٠) وقال: {فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ الرِّجْزَ (٣) إِلَى أَجَلٍ هُمْ بَالِغُوه} (لأعراف: من الآية١٣٥) وقال: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} (المؤمنون:٧٥) ، وإذا كان المعروف من ذلك في اللغة أنه يقال: كشف الشدة: أي أزالها، فلفظ الآية {يُكْشَفُ عَنْ سَاق} وهذا يراد به الإظهار والإبانة" (٤) .

وشيخ الإسلام يرجح دلالة الآية على الصفة، خاصة مع دلالة الحديث الواضحة، ومع ذلك فمن قال من السلف إن المراد بها الكشف عن الشدة، فليس قولهم تأويلا، ثم إنهم يثبتون هذه الصفة بالحديث الصحيح، فلو كان قصدهم التأويل - لذات التأويل - كما يدعي النفاة، لكان تأويلهم للحديث أولى، لكن لما أنهم لم يفرقوا بين دلالة الكتاب والسنة الصحيحة على إثبات الصفات،


(١) متفق عليه من حديث طويل، البخاري، كتاب التوحيد، باب قوله الله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} (القيامة: من الآية ٢٢-٢٣) ، ورقمه (٧٤٣٩) ، (فتح الباري ١٣/٤٢٠-٤٢٢) ، ومسلم، كتاب الإيمان، باب معرفة طريق الرؤية، ورقمه (١٨٣) ، وقد ورد في صحيح مسلم، كتاب الفتن واشتراط الساعة، باب خروج الدجال حديث رقم (٢٩٤٠) قال في آخره "قال فذاك يوم يجعل الولدان شيبا، وذلك يوم يكشف عن ساق".
(٢) في المخطوطة (يمكثون) ، وهو خطأ..
(٣) في المخطوطة (العذاب) ، وهو خطأ.
(٤) نقض التأسيس - مخطوط - (٣/١٥-١٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>