للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهما شيئان، أحدهم: إثبات اليد، والثاني: إضافة الملك والعمل إليها. والثاني يقع فيه التجوز كثيراً، أما الأول فإنهم لا يطلقون هذا الكلام إلا لجنس له "يد" حقيقة، ولا يقولون: يد الهوى، ولا يد الماء، فهب أن قوله: بيده الملك، قد علم منه أن المارد بقدرته، لكن لا يتجوز بذلك إلا لمن له يد حقيقة" (١) .

ولعله اتضح معنى قوله في نص - نقض التأسيس - عن قوله {بِيَدِهِ الْمُلْك} : "ولهذاتنازعوا في إثبات ذلك صفة لله" أن المقصود بذلك أن من قال إن المراد بذلك بقدرته قد لا يحتج بهذه الآية على إثبات هذه الصفة لله، ولكن ها هنا أمران:

أحدهما: أن إثبات صفة اليدين قد دلت عليه أدلة قطعية، لا مجال فيها لأي تأويل.

الثاني: أن قوله {بِيَدِهِ الْمُلْك} وإن قيل إن معناه بقدرته، إلا أن الآية تدل على إثبات اليد لله، لأنه لا يتجوز بذلك إلا لمن له يد حقيقة.

والخلاصة أن آية {عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه} من قال إن المقصود هو التحسر على التفريط في الإيمان والأعمال الصالحة، فليس قوله هذا تأويلاً لصفة من الصفات، حتى يكون حجة لنفاة الصفات. وكذلك من أثبت بهذه الآية الصفة، فإنه أثبت صفة الجنب لله، وأثبت التفريط فيه، مثل قوله: {بِيَدِهِ الْمُلْك} ، وقال: إنه لا يتجوز بذلك إلا لمن له جنب. والله أعلم.

٣- ومن الأمثلة قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} (القلم: من الآية٤٢) فإن الصحابة والتابعين قد تنازعوا في هذه الآية، هل المقصود بها الكشف عن الشدة، أو المراد أن الرب تعالى يكشف عن ساقه، "ولم تتنازع الصحابة والتابعون فيما ذكر من آيات الصفات إلا في هذه الآية، بخلاف قوله {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي} (صّ: من الآية٧٥) ، {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ} (الرحمن: من الآية٢٧) ونحو ذلك، فإنه لم يتنازع فيه الصحابة والتابعون، وذلك أنه ليس في ظاهر القرآن أن ذلك


(١) الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز - مجموع الفتاوى - (٦/٣٧٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>