للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الحجر الأسود يمين الله في الأرض" (١) - فقد زعم الغزالي والرازي أن هذا من الأحاديث التي تأولها الإمام أحمد (٢) ، - وسيأتي إن شاء الله مناقشة هذا -، وقد بين شيخ الإسلام أن هذا الحديث ليس فيه حجة لمن يدعي جواز التأويل، يقول: "أما قوله: الحجر الأسود يمين الله في الأرض، فإن هذا ليس بثابت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - بل قد روه عن ابن عباس، ولم يقل أحمد قط إن هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإنه يتأول، بل هذا الحديث سواء كان عن ابن عباس أو كان مرفوعا فلفظه نص صريح لا يحتاج إلى تأويل، فإن لفظه: الحجر الأسود يمين الله في الأرض فمن استلمه وقبله، فكأنما صافح الله وقبل يده، وتسمية هذا تأويلا أبعد من تسميته الحديث الذي فيه: "جعت"، وذلك أنه يمين في الأرض، فقوله: "في الأرض"، متصل بالكلام مظهر لمعناه، فدل بطريق النص أنه ليس هو يمين الله الذي هو صفة له حيث قال: في الأرض، كما لو قال الأمير مخاطبا للقوم في جاسوس له: هذا عيني عندكم، فإن هذا نص في أنه جاسوسه الذي هو يمنزلة عينه، ليس هو نفس عينه التي هي صفة، فكيف يجوز أن يقال إن هذا متأول مصروف عن ظاهره، وهو نص في المعنى الصحيح لا يحتمل الباطل، فضلا عن أ، يكون ظاهره باطلا.

وأيضا فإنه قال: من استلمه وقبله فكأنما صافح الله وقبل يده، فجعل المستلم له كأنما صافح الله تعالى، ولم يقل فقد صافح الله، والمشبه ليس هو المشبه به، بل ذلك نص في المغايرة بينهما، فكيف يقال: إنه مصروف عن ظاهره، وهو نص في المعنى الصحيح، بل تأويل هذا الحديث - لو كان مما يقبل التأويل - أن يجعل الحجر عين يمين الله، وهو الكفر الصريح الذي فروا منه" (٣) ، ثم نقل شيخ الإسلام كلام الدارمي حوله (٤) ، وكلام القاضي


(١) سبق تخريجه، والكلام في رفعه ووقفه (ص: ٥٥٨) .
(٢) انظر: الأحياء للغزالي (١/١٠٣) ، وأساس التقديس للرازي (ص:٨١) .
(٣) نقض التأسيس - مخطوط - (٣/١٠٣-١٠٤) .
(٤) انظر: المصدر السابق (٣/١٠٤-١٠٥، ١٠٩) ، وهو في الرد على المريسي (ص:٣٩٥-٥١٢) ضمن عقائد السلف.

<<  <  ج: ص:  >  >>