للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد بين شيخ الإسلام أن هؤلاء النفاة أدى بهم منهجهم إلى كثير من الاضطراب والتناقض، فقال: "ولهذا لما لم يكن لهم قانون قويم، وصراط مستقيم في النصوص، لم يوجد أحد منهم يمكنه التفريق بين النصوص التي تحتاج إلى تأويل، والتي لا تحتاج إليه، إلا يما يرجع إلى نفس المتأول، المستمع للخطاب، لا بما يرجع إلى نفس المتكلم بالخطاب:

فنجد من ظهر له تناقض أقوال أهل الكلام والفلسفة - كأبي حامد وأمثاله، ممن يظنون أن في طريق التصفية نيل مطلوبهم - يعولون في هذا الباب على ذوقهم وكشفهم فيقولون: إن ما عرفته بنور بصيرتك فقرره، وما لم تعرفه فأوله (١) .

ومن ظن أن في كلام المتكلمين ما يهدي إلى الحق، يقول: ما ناقض دلالة العقل وجب تأويله، وإلا فلا.

ثم المعتزلي - والمتفلسف الذي يوافقه - يقول: إن العقل يمنع إثبات الصفات، وإمكان الرؤية.

ويقول المتفلسف الدهري: إنه يمنع إثبات معاد الأبدان، وإثبات أكل وشرب في الآخرة، ونحو ذلك.

فهؤلاء، مع تناقضهم، لا يجعلون الرسول نصب نفسه في خطابه دليلا يفرق به بين الحق والباطل، والهدى والضلال، بل يجعلون الفارق هو ما يختلف باختلاف الناس من أذواقهم وعقولهم، ومعلوم أن هذا نسبة للرسول إلى التلبيس وعدم البيان، بل إلى كتمان الحق وإضلال الخلق، بل إلى التكلم بكلام لا يعرف حقه من باطله، ولهذا كان حقيقة أمرهم الإعراض عن الكتاب والرسول، فلا يستفيدون من كتاب الله وسنة رسوله شيئا من معرفة صفات الله تعالى نفيا وإثباتا، وإنما دلالته عندهم في العمليات - أو بعضها - مع أنهم متفقون على أن مقصوده العدل بين الناس وإصلاح دنياهم" (٢) .


(١) انظر: الأحياء للغزالي (١/١٠٣) .
(٢) انظر: درء التعارض (٥/٢٤٠-٢٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>