للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نفي شيخ الإسلام بشكل قاطع ما نسب إلى الإمام أحمد من التأويل وقال: "لا ريب أن المنقول المتواتر عن أحمد يناقض هذه الرواية، ويبين إنه لا يقول إن الرب يجيء ويأتي وينزل أمره، بل هو ينكر على من يقول ذلك (١) " وقال: "والصواب أن جميع هذه التأويلات مبتدعة، لم يقل أحد من الصحابة شيئاً منها ولا أحد من التابعين لهم بإحسان، وهي خلاف المعروف المتواتر عن أئمة السنة والحديث، أحمد بن حنبل وغيره من أئمة السنة" (٢) . وهذه رسائل وأقوال الإمام أحمد مشهورة معروفة، وما من مسألة من مسائل أصول الدين إلا وله فيها كلام، ولم يرد فيها ما يخالف مذهب السلف، ولذلك عده الناس إماما لأهل السنة بسبب ما ابتلى به من المخالفين من أهل الأهواء الذين ناظرهم وبين بطلان أقوالهم، وهو في ذلك متبع لمن قبله من أئمة السلف (٣) .

وإذا كان هذا هو المتواتر عن الإمام أحمد فلا بد من النظر إلى رواية حنبل - في المحنة - على أنها رواية فردة خالفت المشهور عنه، ولهذا قال القاضي أبو يعلى بعد ذكره لرواية حنبل، وتغليط ابن شاقلا له: "وقد قال أحمد في رواية أبي طالب، {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلائِكَةُ} (البقرة: من الآية٢١٠) ، {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} (الفجر:٢٢) من قال إن الله لا يرى فقد كفر، وظاهر هذا أن أحمد أثبت مجيء ذاته لأنه احتج بذلك على جوازه رؤيته، وإنما يحتج بذلك على جواز رؤيته إذا كان الإتيان والمجيء مضافا إلى الذات" (٤) .

وخلاصة الجواب عن رواية حنبل - في المحنة -:

١- أما أن يقال هذه من مفاريده وقد خالفت المتواتر والمشهور عنه.

٢- وعلى فرض ثبوت هذه الرواية فيقال: أن الإمام قال هذا إلزاماً لخصومه وقد قال شيخ الإسلام على هذا الاحتمال: "وهذا قريب" (٥) .


(١) شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى - (٥/٤٠١) .
(٢) المصدر السابق (٥/٤٠٩) .
(٣) انظر: نقض التأسيس - مخطوط - (٣/٩٧-١٠٣) .
(٤) أبطال التأويلات - مخطوط - (ص: ٦١-٦٢) .
(٥) سبق نقله قريباً من الاستقامة (١/٧٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>