للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشرحه في موضع آخر فقال: "ومنهم من قال: بل أحمد قال ذلك على سبيل الإلزام لهم، يقول: إذا كان أخبر عن نفسه بالمجيء والإتيان، ولم يكن ذلك دليلا على أنه مخلوق، بل تأولتم ذلك على أنه جاء أمره، فكذلك قولوا: جاء ثواب القرآن، لا أنه نفسه هو الجائي، فإن التأويل هنا ألزم، فإن المراد هنا الإخبار بثواب قارئ القرآن، وثوابه عمل له، لم يقصد به الإخبار عن نفس القرآن.

فإذا كان الرب قد أخبر بمجيء نفسه، ثم تأولتم ذلك بأمره، فإذا أخبر بمجيء قراءة القرآن فلأن تتأولوا ذلك بمجيء ثوابه بطريق الأولى والأحرى.

وإذا قاله على سبيل الإلزام لم يلزم أ، يكون موافقا لهم عليه، وهو لا يحتاج إلى أ، يلتزم هذا؛ فإن هذا الحديث له نظائر كثيرة في مجيء أعمال العباد، والمراد مجيء قراءة القارئ التي هي عمله، وأعمال العباد مخلوقة، وثوابها مخلوق، ولهذا قال أحمد وغيره من السلف: إنه يجيء ثواب القرآن (١) ، والثواب إنما يقع على أعمال العباد، لا على صفات الرب وأفعاله" (٢) .

والخلاصة:

١- أن هذا مخالف لما تواتر عن الإمام أحمد من المنع من التأويل.

٢- أن حنبل تفرد بهذه الرواية.

٣- وعلى فرض صحته فالإمام قالها إلزاما لخصومه المعتزلة (٣) .

هذه خلاصة مباحث "التأويل" تبين سلامة منهج أهل السنة في الصفات، كما شرحه شيخ الإسلام ورد على المجيزين للتأويل، ولا شك أن هذا الباب لما فتحه المتكلمون - وقد يكون عند بعضهم عن حسن نية - ولج منه أهل الإلحاد من القرامطة والباطنية والفلاسفة وغيرهم ليتواصلوا به إلى تعطيل الشرائع، والأمر والنهي، وإنكار المعاد وما فيه، وهذا وحده كاف لوجود سد هذا الباب الخطير.


(١) انظر الكلام على مجيء سورة البقرة وآل عمران في نقض التأسيس - مخطوط - (٣/١١٦-١١٢٦) .
(٢) شرح حديث النزول - مجموع الفتاوى (٥/٤٠٠) .
(٣) انظر أيضاً: مجموع الفتاوى (١٦/٤٠٤، ٤٢١-٤٢٢) ، حيث نقل كلام ابن الزاغوني، وانظر أيضاً (٦/١٥٦-١٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>