للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمر الرابع: الحقيقة والمجاز:

يشبه هجوم شيخ الإسلام على "المجاز" هجومه على المطق اليوناني، من حيث الدوافع والأسباب وقوة الهجوم، ثم الأثر الذي ترتب عليه، خاصة أثره فيمن جاء بعده من الموافقين والمخالفين. وإذا كان أي باحث في المنطق والفلسفة - المسماة بالإسلامية - لا يمكن أن يغفل أثر ما كتبه شيخ الإسلام في ذلك دفاعا عن مذهب السلف، فكذلك أي باحث في باب المجاز وما يتعلق به لا يمكنه إلا أن يشير إلى مذهب شيخ الإسلام وموقفه منه.

وقد أشار إلى هذا أحد الباحثين، ممن أفرد للمجاز كتابا مطولا، بلغ جزأين كبيرين (١)

- فقال في مقدمة كتابه بعد عرض مختصر لتاريخ القول بالمجاز بين مثبتيه ونفاته: "والمتابع لسير النزاع بين الفريقين يرى أن الخلاف بينهما كان هادئاً طوال القرون الأولى، حتى النصف الثاني من القرن السابع، والربع الأول من القرن الثامن، فقد اتجه الخلاف إلى الشدة والعنف - ولكن من جانب منكريه وحدهم، دون مجوزيه - فقد برز على الساحة الإمام أبو العباس أحمد ابن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (٦٦١-٧٢٨هـ) وقد وهبه الله ذاكرة واعية، وقلبا ذكيا، ولسانا فصيحاً، وقلما جريئا، وتبنى مذهب السلف


(١) اسمه: المجاز في اللغة والقرآن بين الإجازة والمنع، للدكتور عبد العظيم المطعني، وقد استعرض تاريخ هذه المسألة بإسهاب، ولم كان ممن يرجح جواز المجاز في اللغة والقرآن فقد تصدى للدر على شيخ الإسلام وأطال في ذلك، انظر (٢/٦٣٩-٩٠٣) من الكتاب السابق، وفي نقاشه لشيخ الإسلام يلاحظ أمران:
أحدهما: أنه كثيرا ما يصادر على المطلوب، فيحتج ببعض النصوص، وينقل كلام السابقين فيها، وأنهم قصدوا بذلك المجاز، وشيخ الإسلام يرى أن هذه النصوص حجة له، وكلام السابقين فيها يدل على سعة اللغة لا على المجاز، فشيخ الإسلام مثلا لا يشك في أن المقصود بسؤال القرية هم أهلها وليس البنيان، ولكن من قال إن هذا مجاز؟ بل القرية تطلق على هذا وهذا. فإذا جاء المؤلف أو غيره ليحتج على شيخ الإسلام بأن من السلف من قال المقصود: أهل القرية، وهذا مجاز، كان هذا مصادرة على المطلوب، لأنه هو موضع الخلاف.

والثاني: أن المؤلف مع أنه رجح إلى كتاب "الإيمان" والرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز، إلا أنه غفل عن بحث آخر مطول ومهم جدا عنوانه: "الحقيقة والمجاز" وهو ضمن مجموع الفتاوى (٢٠/٤٠٠-٤٩٧) وقد أفرده للرد على الآمدي.

<<  <  ج: ص:  >  >>