للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- وصار لأصحاب كل فن اصطلاح خاص بهم - ولكن لما أخذ المعتزلة وغيرهم - ومن عنى منهم باللغة وفنونها - يبتدعون هذا المصطلح ليتواصلوا به إلى تصحيح عقائدهم الفاسدة، ودعمها بما يدعونه من الأدلة، بناء على مصطلح المجاز أو غيره، كان لا بد من الوقوف أمام هذه المصطلحات وبيان فسادها أصلا وفرعا. وهذا ما فعله شيخ الإسلام بالنسبة لطاغوت المجاز.

ولهذا يقول شيخ الإسلام في معرض رده على الآمدي ودعواه أن الخلاف بين مثبتي المجاز ونفاته، نزاع لفظي: "يقال: هو قد سلم أن النزاع لفظي، فيقال: إذا كان النزاع لفظيا، وهذا التفريق اصطلاح حادث لم يتكلم به العرب، ولا أمة من الأمم، ولا الصحابة والتابعون، ولا السلف - كان المتكلم بالألفاظ الموجودة التي تكلموا بها ونزل بها القرآن أولى من التكلم باصطلاح حادث لو لم يكن فيه مفسدة، وإذا كان فيه مفاسد، كان ينبغي تركه لو كان الفرق معقولا، فكيف إذا كان الفرق غير معقول، وفيه مفاسد شرعية، وهو إحداث في اللغة - كان باطلا عقلا، وشرعا، ولغة. أما العقل فإنه لا يتميز فيه هذا عن هذا. وأما الشرع فإن فيه مفاسد يوجب الشرع إزالتها. وأما اللغة فلأن تغيير الأوضاع اللغوية غير مصلحة راجحة، بل مع وجود المفسدة (١) .

فإن قيل: وما المفاسد؟ قيل: من المفاسد أن لفظ المجاز المقابل للحقيقة، سواء جعل من عوارض الألفاظ أو من عوارض الاستعمال، يفهم ويوهم نقص درجة المجاز عن درجة الحقيقة، لا سيما ومن علامات الجاز صحة إطلاق نفيه، فإذا قال القائل: إن الله تعالى ليس برحيم ولا رحمن، لا حقيقة، بل مجاز، إلى غير ذلك مما يطلقونه على كثير من أسمائه وصفاته وقال: "لا إله إلا الله" مجاز لا حقيقة، ما ذكره هذا الآمدي من أن العموم المخصوص مجاز ... . ومعلوم أن هذا الكلام من أعظم المنكرات في الشرع، وقائله إلى أن يستتاب - فإن تاب وإلا قتل - أقرب منه إلى أن يجعل من علماء المسلمين ... " (٢) .


(١) كذا في مجموع الفتاوى، ولعل صحة العبارة: "وأما اللغة فلأن تغيير الأوضاع اللغوية ليس فيه مصلحة راجحة، بل معه توجد المفسدة".
(٢) الحقيقة والمجاز - مجموع الفتاوى (٢٠/٤٥٤-٤٥٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>