للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يقول بلا كيف، فلو كان مذهب السلف نفي الصفات في نفس الأمر لما قالوا: "بلا كيف" (١) .

فالإمام مالك وشيخه ربيعة بينا أمرين: أن الاستواء معلوم وأن الكيف مجهول، وهذا حقيقة مذهب السلف، يؤمنون بالصفات الواردة، ويفهمون ما دلت عليه من المعاني اللائقة بالله تعالى، أما الكيفية فيفوضونها لعالمها.

ولهذا لما ذكر شيخ الإسلام تلقي الناس قوله الإمام مالك بالقبول، ذكر اعتراضا وأجاب عنه. قال: "فإن قيل: معنى قوله "الاستواء معلوم، أن ورود هذا اللفظ في القرآن معلوم، كما قاله بعض أصحابنا الذين يجعلون معرفة معانيها من التأويل الذي استأثر الله بعلمه.

قيل: هذا ضعيف، فإن هذا من باب تحصيل الحاصل، فإن السائل قد علم أن هذا موجود في القرآن، وقد تلا الآية. وأيضاً فلم يقل: ذكر الاستواء في القرآن، ولا أخبار الله بالاستواء، وإنما قال: الاستواء معلوم، فأخبر عن الاسم المفرد أنه معلوم، لم يخبر عن الجملة.

وأيضاً فقد قال: "والكيف مجهول" فلو أراد ذلك لقال: معنى الاستواء مجهول، أو تفسير الاستواء مجهول، أو بيان الاستواء غير معلوم، فلم ينف إلا العلم بكيفية الاستواء، لا العلم بنفس الاستواء، وهذا شأن جميع ما وصف الله به نفسه، لو قال في قوله: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} (طه: من الآية٤٦) : كيف يسمع، وكيف يرى؟ لقلنا: السمع والرؤيا معلوم والكيف مجهول، ولو قال: كيف كلم موسى تكليما؟ لقلنا: التكليم معلوم والكيف غير معلوم.

وأيضاً فإن من قال هذا من أصحابنا وغيرهم من أهل السنة يقرون بأن الله فوق العرش حقيقة، وأن ذاته فوق ذات العرش، لا ينكرون معنى الاستواء، ولا يرون هذا من المتشابه الذي لا يعلم معناه بالكلية.


(١) الحموية - مجموع الفتاوى (٥/٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>