للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه القاعدة لم يفصل القول فيها أحد - فيما أعلم - قبل شيخ الإسلام، وإن كان قد ألمح إليها بعض الأشاعرة - إحساساً منه بالتناقض (١) - أو بعض أهل السنة اقتناعا منه بتناقض خصومه - (٢) ، أما الكلام فيها بهذه القوة والوضوح والإقناع فقد كان مما وفق الله هذا الإمام إليه، وهو سبحانه وتعالى المتفضل على عباده بما يشاء، فله الحمد والمنة.

وقبل الدخول في تفاصيل هذا الأصل - أو هذه القاعدة - يمكن إجمال ما اشتملت عليه من الأصول والقواعد بما يلي:

١- أن من نفي بعض الصفات وأثبت البعض الآخر، لزمه فيما أثبته نظير ما يلزمه فيما نفاه.

٢- أن عدم الدليل المعين لا يستلزم عدم المدلول المعين، لأنه قد يكون ثبت بدليل آخر غير هذا الدليل.

٣- أن كل من أول صفة لزمه فيما أوله نظير ما أظن أنه يلزمه فيما فر منه.

٤- أن دلالة السمع والعقل على الصفات واحدة:


(١) مثل ما فعله الجويني في الإرشاد (ص:١٥٧-١٥٨) ، حين ألزم من يثبت الوجه واليدين بظواهر النصوص، أن يثبت الاستواء والمجيء والجنب وأن يجعلها من الصفات. كما ألزم من يسوغ تأويل الاستواء والجنب أ، يجيز تأويل الوجه واليدين. وقد سبقت الإشارة إلى ذلك (ص:٦٤٠-٦٤١) .
(٢) مثل ما فعله ابن قدامة في كتابه: "تحريم النظر في كتب أهل الكلام" - الذي هو رد على أبي الوفاء ابن عقيل الحنبلي - انظر (ص:١) وما بعدها. فإن ابن قدامة لما رد عليه وعلى غيره في مسألة كلام الله، وأن القول: إنه بصوت يلزم منه التشبيه، لأن الصوت في المشاهدات يكون من اصطكاك الأجرام، فرد عليهم ابن قدامة من وجوه ثلاثة: وذكر منها: "الثالث: أن هذا باطل بسائر صفات الله تعالى التي سلتموها من السمع والبصر والعلم والحياة، فإنها لا تكون في حقنا إلا من أدوات، فالسمع من انخراق، والبصر من حدقة، والعلم من قلب، والحياة في جسم. ثم جميع الصفات لا تكون إلا في جسم، فإن قلتم: إنها في حق البارئ كذلك فقد جسمتم وشبهتم وكفرتم، وإن قلتم لا تفتقر إلى ذلك فلم احتج إليها ههنا؟ " تحرم النظر في كتب أهل الكلام (ص:٥١) ، صححه ونشره جورج المقدسي.

<<  <  ج: ص:  >  >>