- أو من جهة العقل بأن أحد المعنيين يجوز أو يجب إثباته دون الآخر. وكلا الوجهين باطل بأكثر المواضع:
أما الأول: فدلالة القرآن على أنه: رحمن، رحيم، ودود، سميع، بصير، علي، عظيم، كدلالته على أنه: عليم، قدير، ليس بينهما فرق من جهة النص، وكذلك ذكره لرحمته، ومحبته، وعلوه، مثل ذكره لمشيئته وإرادته.
وأما الثاني: فيقال من أثبت شيئا ونفى آخر: لم نفيت مثلا حقيقة رحمته، ومحبته، وأعدت ذلك إلى إرادته؟.
فإن قال: لأن المفهوم من الرحمة رقة تمتنع على الله.
قيل له: والمعنى المفهوم من الإرادة في حقنا هي ميل يمتنع على الله.
فإن قال: إرادته ليست من جنس إرادة خلقه.
قيل له: ورحمته ليست من جنس رحمة خلقه، وكذلك محبته.
وإن قال - وهو حقيقة قوله -: لم أثبت الإرادة وغيرها بالسمع، وإنما أثبت العلم والقدرة والإرادة بالعقل، وكذلك السمع والبصر والكلام - على أحد الطريقتين -؛ لأن العقل دل على القدرة، والإحكام دل على العلم، والتخصيص دل على الإرادة.
قيل له: الجواب من ثلاثة أوجه:
أحدها: أن الأنعام، والإحسان، وكشف الضر، دل أيضا على الرحمة، كدلالة التخصيص على الإرادة. والتقريب والإدناء وأنواع التخصيص التي لا تكون إلا من المحب، تدل على المحبة، ومطلق التخصيص يدل على الإرادة، وأما التخصيص بالإنعام فتخصيص خاص، والتخصيص بالتقريب والاصطفاء تقريب خاص. وما سلكه في مسلك الإرادة يسلك في مثل هذا.
الثاني: يقال له: هب أن العقل لا يدل على هذا، فإنه لا ينفيه إلا بمثل ما ينفي به الإرادة. والسمع دليل مستقل بنفسه، بل الطمأنينة إليه في هذه المضايق