وهذه الأدلة صريحة في إثبات الصفات الاختيارية القائمة به "كالاستواء إلى السماء، والاستواء على العرش، والقبض، والطي، والإتيان، والمجيء، والنزول، ونحو ذلك، بل والخلق، والإحياء، والإماتة، فإن الله تعالى وصف نفسه بالأفعال اللازمة كالاستواء، وبالأفعال المتعدية كالخلق، والفعل المتعدي مستلزم للفعل اللازم، فإن الفعل لا بد له من فاعل، سواء كان متعديا إلى مفعول، أو لم يكن، والفاعل لا بد له من فعل، سواء كان فعله مقتصرا عليه أو معتديا إلى غيره، والفعل المتعدي إلى غيره لا يتعدى حتى يقوم بفاعله، إذ كان لا بد له من الفاعل، وهذا معلوم سمعا وعقلا:
أما السمع فإن أهل العربية التي نزل بها القرآن، بل وغيرها من اللغات متفقون على أن الإنسان إذا قال: "قام فلان وقعد" وقال: "أكل فلان الطعام وشرب الشراب"، فإنه لا بد أن يكون في الفعل المتعدي إلى المفعول به ما في الفعل اللازم وزيادة، إذ كلتا الجملتين فعلية، وكلاهما فيه فعل وفاعل، والثانية امتازت بزيادة المفعول ...
فقوله تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}(الحديد: من الآية٤) تضمن فعلين: أولهما متعد إلى المفعول به، والثاني مقتصر لا يتعدى، فإذا كان الثاني - وهو قوله تعالى:{ثُمَّ اسْتَوَى} - فعلا متعلقا بالفاعل، فقوله:{خَلَقَ} كذلك بلا نزاع بين أهل العربية ...
وأما من جهة العقل: فمن جوز أن يقوم بذات الله تعالى فعل لازم له كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك، لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماته والاحياء، كما أ، من جوز أن تقوم به صفة لا تتعلق بالغير كالحياة، لم يمكنه أ، يمنع قيام الصفة المتعلقة بالغير كالعلم والقدرة والسمع والبصر، ولهذا لم يقل أ؛ د من العقلاء بإثبات أحد الضربين دون الآخر ...
وإذا كان كذلك كان حدوث ما يحدثه الله تعالى من المخلوقات تابعا لما يفعل من أفعاله الاختيارية القائمة بنفسه، وهذه سبب الحدوث، والله تعالى حي قيوم لم يزل موصوفا بأنه يتكلم بما شاء، فعال لما يشاء، وهذا قد قاله العلماء الأكابر من أهل السنة والحديث، ونقلوه عن السلف والأئمة وهو قول طوائف كثيرة