للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولم يوافقوهم على لفظ مجمل قد يتضمن نفي معنى حق، ولا وافقوهم أيضاً على نفي المعاني التي دل عليها القرآن والعقل، وإن شنع النفاة على من يثبت ذلك، أو زعموا أن ذلك يقدح في أدلتهم وأصولهم" (١) .

وقد أثبت الحد الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة كما ذكر ذلك الدارمي في نقضه على المريسي، والقاضي أبو يعلي في إبطال التأويلات، والخلال في كتاب السنة، والهروي في ذم الكلام. وغيرهم (٢) .

وهم لما أثبتوا "الحد" قالوا: له حد لا يعلمه إلا هو، كما بينوا مع ذلك أن العباد لا يحدونه ولا يدركونه، وهذا الذي قصده الإمام أحمد لما قال: "نحن نؤمن بالله عز وجل على عرشه كيف شاء، وكما شاء بلا حد ولا صفة يبلغها واصف أو يحده أحد ... " (٣) وإلا فهو قد قال في رواية أخرى عنه: لله تعالى حد لا يعلمه إلا هو (٤) . فما نفاه الإمام أحمد قصد به الصفة التي يعلمها الخلق، وما أثبته قصد به ما يتميز به عن عباده، ويبين به عنهم، وهذا هو الذي قصده بقوله: له حد لا يعلمه إلا الله وهو الذي قصده من أطلق هذا من السلف. وقد أخطأ من ظن من الحنابلة أو غيرهم أن للإمام أحمد في ذلك روايتين، بل كلامه متسق غير متناقض وكل رواية موافقة للأخرى (٥) .

وقد اعترض "الخطابي" على إثبات "الحد" بأن صفة "الحد" لم ترد في الكتاب والسنة، ولكن شيخ الإسلام رد عليه من وجوه وبين أن السلف لم يقصدوا بذلك الصفة مطلقا، ولم يقولوا: له صفة هي "الحد"، والحد إنما هو ما يتميز به الشيء عن غيره من صفته وقدره، والسلف قصدوا بذلك الرد


(١) نقض التأسيس - مطبوع - (٢/١٨٠) .
(٢) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (١/٤٢٦-٤٤٠) ، حيث نقل نصوص كلامهم، وقارن بالنقض على المريسي للدارمي (ص:٣٨١) وما بعدها - ضمن عقائد السلف، وإبطال التأويلات (٣١٦-٣١٧) .
(٣) نقض التأسيس - مخطوط - (٢/١٦٣) .
(٤) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (١/٤٣٠) وما بعدها.
(٥) انظر: المصدر السابق (١/٤٣٣-٤٣٨، ٢/١٦٣، ١٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>