للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأن حكم الحاجب كان " لا يتعدى النظر في مخاصمات الأجناد واختلافهم في أمور الإقطاعات ونحو ذلك، ولم يكن أحد من الحجاب فيما سلف يتعرض للحكم في شيء من الأمور الشرعية كتداعي الزوجين وأرباب الديون، وإنما يرجع ذلك إلى قضاة الشرع، ولقد عهدنا دائما أن الواحد من الكتاب أو الضمان ونحوهم يفر من باب الحاجب ويصير إلى باب أحد القضاة ويستجير بحكم الشرع فلا يطمع أحد بعد ذلك في أخذه من باب القاضي.... " (١) ، ثم ذكر المقريزي التطور الذي حدث بعد ذلك لمهمات الحجاب فقال: " ثم تغير ما هنالك وصار الحاجب اليوم (٢) اسما لعدة جماعة من الأمراء ينتصبون للحكم بين الناس ... وصار الحاجب اليوم يحكم في كل جليل وحقر بين الناس سواء كان الحكم شرعيا أو سياسيا بزعمهم، وإن تعرض قاض من قضاة الشرع لأخذ غريم من باب الحاجب لم يمكن من ذلك " (٣) ، ثم قال: " وكانت أحكام الحجاب أولا يقال لها حكم السياسة وهي لفظة شيطانية لا يعرف اكثر أهل زمننا اليوم أصلها، ويتساهلون في التلفظ بها، ويقولون: هذا الأمر مما لا يمشي في الأحكام الشرعية وإنما هو من حكم السياسة ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم " (٤) ، ثم ذكر المقريزي معنى " الشرع " ومعنى " السياسة " في اللغة، وأن السياسة نوعان: سياسة عادلة وهي السياسة الشرعية وقد ضنف فيها كتب متعددة، وسياسة ظالمة، وأن الشريعة تحرمها.

ثم عرض لأصل هذه الكلمة وغلط الذين يظنون أن أصلها كلمة عربية فقال: " وليس ما يقوله أهل زماننا في شيء من هذا، وإنما هي كلمة فعلية أصلها ياسة، فحرفها أهل مصر وزادوا بأولها سينا فقالوا سياسة، وأدخلوا عليها الألف واللام فظن من لا علم عنده أنها كلمة عربية، وما الأمر فيها إلا ما قلت لك واسمع الآن كيف نشأت هذه الكلمة حتى انتشرت


(١) ١ لخطط (٢/٢١٩) .
(٢) توفي المقريزي: تقى الدين أبو العباس أحمد بن على سنة٨٤٥، وكان مولده سنة ٧٦٦ هـ، انظر: اللامع (٢/ ١ ٢) ، والبدر الطالع (١/٧٩) ، والأعلام (١/٧٧) .
(٣) ١ لخطط (٢١٩-٢٢٠) .
(٤) المصدر السابق (ص: ٢٢٠) .

<<  <  ج: ص:  >  >>