للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا الخيال في مثل هذه العلوم الكلية العقلية، وأن أردتم بالعقليات موجودات خارجة، لا يمكن الإشارة الحسية إليها، فلم قلتم: إن هذا موجود؟ فالنزاع في هذا، ونحن نقول: إن بطلان هذا معلوم بالبديهة" (١) ... إلى آخر الأوجه (٢) .

ويلاحظ أن شيخ الإسلام بدأ من الوجه الخامس يناقش المسألة التي اعتم عليها الرازي - ومن وافقه - في هذا الباب، حيث اتبعوا ابن سينا وغيره من الفلاسفة في مسألة الكليات الذهنية التي زعموا أنها موجودة في الخارج.

وهذه من المسائل التي تخبط بسببها المتكلمون في كثير من قضايا العقيدة ودلائلها. وهي من الباطل الذي لا حقيقة له، إذ ليس ما في الأذهان يكون موجودا في الأعيان، وهذه الكليات المطلقة توجد مطلقة في الأذهان فقط، أما في الأعيان فلا توجد إلا مقيدة، وقد سبقت الإشارة إلى هذا.

ولما تكلم شيخ الإسلام عن هذه المسألة - في موضع آخر - ضرب مثالا عليه في مسألة العلو عند هؤلاء النفاة، فقال: "ولكن طائفة من أهل الجدل والحكمة السوفسطائية، يستدلون على إمكان الشيء في الخارج بإمكانه في الذهن، كما يوجد مثل ذلك في كلام كثير من أهل الكلام والفلسفة. والرازي والآمدي ونحوهما يستعملون ذلك كثيراً، كاستدلال الرازي وغيره على إمكان وجود موجود لا مباين للعالم ولا مجانب بأن يقولوا: القسمة العقلية تقتضي أن كل موجود فإما مباين لغيره أو مجانب له، وإما لا مباين ولا مجانب، أو كل موجود فإما داخل في غيره وإما خارج عنه وإما لا داخل ولا خارج.

ويجعلون مثل هذا التقسيم دليلا على إمكان كل من الأقسام في الخارج، وقد يسمون ذلك برهانا عقليا، وهو من أفسد الكلام ... " (٣) .


(١) درء التعارض (٦/١٥-١٧) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٦/١٧-١٨) .
(٣) المصدر نفسه (٣/٣٦٥-٣٦٦) .

<<  <  ج: ص:  >  >>