للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذا احتجاجهم بأن الفلاسفة وطائفة من المتكلمين من المعتزلة والشيعة والأشعرية - أثبتوا النفس، وقالوا: إنها لا داخل البدن ولا خارجه، ولا مباينة له ولا حالة فيه. وبطلان هذا مثل بطلان وجود الكليات في الخارج (١) .

وكثيرا ما يختلط الأمر عند هؤلاء فيظنون أن الفرق بين الغيب والشهادة هو الفرق بين المحسوس وبينا لمعقول، وهذا أحد مداخل ملاحدة الباطنية والصوفية وغيرهم. والحق أن الغيب ليس غير المحسوس بل الغيب يمكن إحساسهس، والله تعالى أعظم الغيب وهو يرى (٢) .

وأكبر دليل على فساد ما زعمه هؤلاء من صحة قولهم بإمكان موجود لا مباين ولا محايث، أو لا داخل العالم ولا خارجه - أنهم عجزوا عن الرد على الحلولية من النصارى والصوفية، وقد أفرد شيخ الإسلام لبيان ذلك فضلا طويلا (٣) ، ومما قاله: "ولهذا كان الحلولية والإتحادية منهم، الذين يقولون: إنه في كل مكان، يحتجون على النفاة منهم الذين يقولون: ليس مباينا للعالم ولا مداخلا له، بأن قد اتفقنا على أنه ليس فوق العالم، وإذا ثبت ذلك تعين مداخلته للعالم: إما أن يكون وجوده وجود العالم، أو يحل في العالم، أو يتحد به، كما قد عرف من مقالاتهم.

والذين أنكروا الحلول والاتحاد من الجهمية، ليست لهم على هؤلاء حجة إلا من جنس حجة المثبة عليهم، وهو قول المثبتة: إن ما لا يكون لا مداخلا ولا مباينا، غير موجود، فإن أقروا بصحة هذه الحجة بطل قولهم، وإن لم يقروا بصحتها أمكن إخوانهم الجهمية الحلولية أن لا يقروا بصحة حجتهم، إذ هما من جنس واحد" (٤) ، ثم ذكر شيخ الإسلام نموذجا على ذلك، وهو رد الرازي على حلولية النصارى، حيث علق شيخ الإسلام بعد نقل كلام الرازي


(١) انظر: درء التعارض (٦/١٦١) ، وانظر: مجموع الفتاوى (٥/٢٩٢-٢٩٥) .
(٢) انظر: المصدر السابق (٥/١٧١-١٧٣) ، وانظر: مناقشة أخرى مطولة ومهمة في نقض التأسيس - مطبوع - (٢/٥٠٢-٥٨٨) .
(٣) انظر: درء التعارض (٦/١٣٧-١٨٦) .
(٤) المصدر السابق (٦/١٤٨-١٤٩) .

<<  <  ج: ص:  >  >>