للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الرد عليهم (١) بقوله: "قلت ما ذكره الرازي من إبطال الحلو بإلزام النصارى كلام صحيح، لكن هذا إنما يستقيم على قول أهل الإثبات المثبتين لمباينته للعالم، فأما على قول الجهمية للنفاة فلا تستقيم هذه الحجة ... " (٢)

وذلك أنه يلزم من تجويز إثبات موجود لا داخل العالم ولا خارجه تجويز قول الحلولية، ولا يمكن أن يوجد في النفاة من يرد على الحلولية ردا مستقيما، بل إن لم يوافقهم كان معهم بمنزلة المخنث - كما يعبر شيخ الإسلام (٣) .

وقد سبقت الإشارة إلى ما بين هذين المذهبين - النفاة والحلولية - من توافق، إلى حد أن الواحد منهم قد يتلبس بالمذهبين في وقت واحد، حسب حالته. وكثير من النفاة يعظم ملاحدة الصوفية كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، بل إن أحد أفضل المتكلمين من نفاة العلو "يعتقد في مثل هذا أنه كان من أفضل أهل الأرض، أو أفضلهم ويأخذ ورقة فيها سر مذهيه، يرقي بها المرضي، كما يرقي المسلمون بفاتحة الكتاب، كما أخبرنا بذلك الثقاة، وهم يقدمون تلك الرقية على فاتحة الكتاب ... " (٤) .

ويركز شيخ الإسلام على أن هؤلاء جميعا ينطلقون من تلك المناظرة المشهورة التي جرت بين الجهموالسمنية وقد ذكرها الإمام أحمد (٥) ، فالجهم لما احتج عليهم بالروح أن الروح لا ترى ولا تسمع ولا تحس ولا تجس، طبق ذلك على الله تعالى، فقال: وكذلك هو موجود ولا يرى ولا يسمع ولا يوصف بصفة.

ومن هذه المناظرة انطق المبطلون:

- نفاة الأسماء والصفات من الجهمية وغيرهم.


(١) انظر: المصدر السابق (٦/١٤٩-١٥١) .
(٢) المصدر نفسه (٦/١٥١) .
(٣) انظر: المصدر نفسه (٦/١٧٣) .
(٤) المصدر نفسه (٦/١٧٠) .
(٥) الرد على الزنادقة (ص:٦٤-٦٧) - ضمن عقائد السلف، وخلاصتها أن جماعة من السمنية أرادوا أن يناظروا الجهم - وكان مشهورا بالخصومات والكلام - فاحتجوا عليه بأنه إذا لم يرد إلهه ولم يسمعه ولم يشمه ولم يسحه - فهو غير موجود. فتحير الجهم وبقى أربعين يوما لا يدري من يعبد، ثم استدرك حجة النصارى في عيسى فأخذها، ورد على السمنية بالروح وأنها لا ترى ولا تسمع ولا تشم ...

<<  <  ج: ص:  >  >>