للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الصلاة لأنه من باب الخشوع الذي أثنى الله على أهله، ولو كان الله ليس فوق، بل هو في السفل كما هو في الفوق لم يكن رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع، بل كان يكون بمنزلة خفضها (١) .

والناس على اختلاف عقائدهم وأديانهم يشيرون عند الدعاء إلى السماء لأن هذا شيء يجدونه في فطرهم (٢) .

ودعوى أن السماء قبلة للدعاء كالكعبة قبلة للصلاة، باطل معلوم بالاضطرار بطلانه من وجوه: منها أن المسلمين مجمعون على أن قبلة الداعي هي قبلة الصلاة، ومنها: أن كون السماء أو العرش قبلة لا يثبت بغير الشرع، وليس في النصوص أي دليل على ذلك، ومنها أن القبلة أمر يدخله النسخ، ولذلك تحولت القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، ولو كانت القبلة هي العرش أو السماء لجاز تغييرها وتبديلها، ولجاز أن يدعو الإنسان ربه إلى سائر الجهات، وهذا فضلا عن أنه باطل، فإن العباد مفطورون على أن لا يتوجهوا إلا إلى جهة العلو. ومنها: أن القبلة ما يستقبله الإنسان بوجهه، أما ما يرفع الإنسان إليه يده أو رأسه أو بصره، فهذا باتفاق الناس لا يسمى قبلة، ومعلوم أن مستقبل القبلة يستدبر ما يقابلها، أما الداعي فإنه لا يكون مستقبلا للسماء مستدبرا للأرض، بل يكون مستقبلا لبعض الجهات. إلى غيرها من الأوجه (٣) .

ووضع الجبهة على الأرض يفعله الناس لكل ما يعظمونه، ولهذا يسجد المشركون لأصنامهم. وهذا بين (٤) .

فتبين من هذه الأوجه وغيرها سلامة احتجاج السلف على العلو بما فطر الناس عليه من رفع أيديهم إلى السماء عند الدعاء والحاجة.


(١) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (٣/٤٤٥) ، وانظر الرسالة العرشية - مجموع الفتاوى - (٥/٥٧٦-٥٨٠) .
(٢) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (٢/٤٤٦-٤٤٧) .
(٣) انظر: المصدر السابق (٢/٤٥٢-٤٦٤) .
(٤) انظر مناقشة ذلك من خمسة أوجه في الدرء (٧/٢١-٢٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>