للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أم دعوى التواطؤ فمردودة بأن الفطر التي لم تتواطأ يمتنع اتفاقها على جحد ما يعلم بالبديهة، قد يوافق بعض الناس - أو بعض عامتهم - على إنكار الجهة والتحيز والمكان، حين يقصد بنفيها ما هو معنى صحيح مثل نفي أن الله محصور في خلقه، أو مفتقر إلى مخلوق، إلى غير ذلك من المعاني التي يجب نفيها عن الله تعالى. أما لو قصد بذلك أن الله ليس فوق السموات، وأنه ليس وراء العالم إله موجود، فهذا لا يوافق عليه أحد بفطرته، وإنما يوافق عليه من قامت عنده شبهة من شبه النفاة (١) .

٥- أما الاعتراض على رفع الأيدي، وأن القلوب مفطورة - عند دعائها ومسألتها - على التوجه إلى الله في العلو - بأن ذلك لأن السماء قبلة للدعاء وأن هذا منقوض بوضع الجبهة على الأرض، أو غير ذلك من التعليلات الهزيلة (٢) - فقد أجاب عنه شيخ الإسلام بجواب مفصل، اشتمل على أربعين وجها - وصلت إلينا في الجزء المطبوع من نقض التأسيس - (٣) والحمد لله.

وقد ركز شيخ الإسلام في هذه الأوجه على بيان أن الاستدلال برفع الأيدي والأبصار إلى السماء عند الدعاء، إنما هو حجة أهل الإثبات من السف والخلف، وأن هؤلاء الأشعري وأئمة أصحابه، وقد نقل شيخ الإسلام كلامهم في ذلك (٤) ، فالرازي في الحقيقة إنما يعترض على شيوخه الأشاعرة، وهم باستدلالهم يردون عليه. والإشارة إلى الله في العلو باليد والأصابع أو العين أو الرأس، قد تواترت به السنن عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - (٥) . والنهي عن رفع البصر


(١) انظر: درء التعارض (٦/٢٧١-٢٧٢) ، وانظر أيضاً (٦/١٩١-١٩٣) .
(٢) من ذلك ما زعمه الرازي من الرفع إلى السماء لأن الأنوار تنبعث من جانب السموات، أو لأن الحياة متوقفة على الهواء وهو دائما فوق الأرض. أو لأن الغيث ينزل من السماء. انظر: أساس التقديس (ص:٧٦-٧٧) . وهي تعليلات هزيلة جداً ومع ذلك فقد ناقشها شيخ الإسلام ضمن غيرها في الأوجه الأربعين التي ذكرها.
(٣) (٢/٤٣١-٥٠٢) .
(٤) انظر: نقض التأسيس - مطبوع - (٢/٤٣٣-٤٣٩) .
(٥) انظر: المصدر السابق (٢/٤٣٩-٤٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>