وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلا، والأمر والنهي والخبر عندهم ليست أنواعا ينقسم الكلام إليها، وإنما هي صفات إضافية، كما يوصف الشخص الواحد بأنه ابن لزيد، وعم لعمرو، وخال برك. ويقول هؤلاء إن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته، وكلامه بغير حرف وصوت. وهذا قول ابن كلاب والأشعري ومن اتبعهم. ثم هؤلاء افترقوا:
أفمنهم من قال: إنه معنى واحد في الأزل، وإنه في الأزل أمر ونهي وخبر. وهذا قول الأشعري.
ب ومنهم من قال: هو عدة معان: الأمر والنهي والخبر والاستخبار. وهذا قول ابن كلاب.
ت ومنهم من قال: بل يصير أمراً ونهيا عند وجود المأمور والنهي. وهو قول بعضهم.
٥- قول من يوافق الكلابية والأشعرية في أن الله لا يتكلم بمشيئته وقدرته ولكنهم قالوا: القديم هو حروف، أو حروف وأصوات قديمة لازمة لذات الرب أزلا وأبدا، لا يتكلم بها بمشيئته وقدرته، ولا يتكلم بشيء بعد شيء. ولم يفرق هؤلاء بين جنس الحروف وجنس الكلام، وبين عين الحروف الأزلية، بل كله قديم أزلي، وليست الباء قبل السين ولا السين قبل الميم.
وهذا قول السالمية ومن اتبعهم كابن الزاغوني وبعض أهل الحديث وغيرهم. ومن هؤلاء من يقول في الحروف: إن الترتيب يكون في ماهيتها لا في وجودها، كما أن من هؤلاء من يقول: إن ما يسمع من أصوات العباد بالقرآن أو بعضه هو الكلام القديم، وقد يصرحون بأنه صوت الله. وهذا أقوال باطلة ظاهرة الفساد.
٦- إن الله يتكلم بمشيئته وقدرته بالقرآن العربي وغيره، وكلامه قائم به، لكنه حادث بذات الله، تكلم به بعد أن لم يكن متكلما، قالوا: ولم يكن يمكنه أن يتكلم بمشيئته في الأزل لامتناع حوادث لا أول لها، فيمتنع أن يكون كلامه قديما لامتناع كون المقدور قديما. وهؤلاء يقولون: إن الله يتكلم بحروف وأصوات. وهذا قول الكرامية والهشامية ومن وافقهم.