للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نقل شيخ الإسلام نصا لأبي نصر السجزي في رسالته المعروفة إلى أهل زبيد - والتي تسمى باسم: الرد على من أنكر الحرف والصوت - بين فيه نشأة قول ابن كلاب ومن اتبعه في كلام الله فقال: "اعلموا - أرشدنا الله وإياكم - أنه لم يكن خلاف بين الخلق على اختلاف نحلهم من أول الزمان إلى الوقت الذي ظهر فيه ابن كلاب والقلانسي والأشعري وأقرانهم - الذين يتظاهرون بالرد على المعتزلة، وهم معهم، بل أخس منهم في الباطن - من أن الكلام لا يكون إلا حرفا وصوتا، ذا تأليف واتساق، وإن اختلفت به اللغات، وعبر عن هذا المعنى الأوائل الذين تكلموا في العقليات وقالوا: الكلام حروف متسقة، وأصوات مقطعة، وقالت [العرب] (١) - يعني علماء العربية (٢) -: الكلام اسم وفعل وحرف جاء لمعنى، فالاسم مثل زيد وعمرو، والفعل مثل جاء وذهب، والحرف الذي يجيء لمعنى مثل هل وبل وقد، وما شاكل ذلك، فالإجماع منعقد بين العقلاء على كون الكلام حرفا وصوتا.

فلما نبغ ابن كلاب وأضرابه، وحاولوا الرد على المعتزلة من طريق مجرد العقل، وهم لا يخبرون أصول السنة، ولا ما كان السلف عليه، ولا يحتجون بالأخبار الواردة في ذلك، زعما منهم أنها أخبرا آحاد وهي لا توجب علما، وألزمتهم المعتزلة أن الإتفاق (٣) حاصل على أن الكلام حرف وصوت، ويدخله التعاقب والتأليف ... قالوا: فعلم بهذه الجمة أن الكلام المضاف إلى الله تعالى خلق له، أحدثه وأضافه إلى نفسه، كما نقول: خلق الله، وعبد الله، وفعل الله.

فضاق بابن كلاب وأضرابه النفس عند هذا الإلزام لقلة معرفتهم بالسنن، وتركهم قبولها، وتسليمهم العنان إلى مجرد العقل. فإلتزموا ما قالته المتزلة، وركبوا مكابرة العيان، وخرقوا الإجماع المنعقد بين الكافة: المسلم والكافر،


(١) ليست في درء التعارض، وهي في الرد على من أنكر الحرف والصوت (ص:٨٩) - ط على الآلة الكاتبة.
(٢) شرح من شيخ الإسلام.
(٣) هكذا في الرد على من أ، كر الحرف والصوت (ص:٩٠) ، والذي في درء التعارض (٢/٨٤) [وألزمتهم المعتزلة الاتفاق على أن الاتفاق حاصل ... ] .

<<  <  ج: ص:  >  >>