للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: إنه قيده بالنفس، وهذا على أن المقصود أنهم قالوه بقلوبهم، وإذا قيد القول بالنفس كان دلالة المقيد خلاف دلالة المطلق، والدليل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها، ما لم تتكلم أو تعمل" (١) ، وهذا رد عليهم مطلقاً لأنه قال "ما لم تتكلم" فدل على أن حديث النفس ليس هو الكلام المطلق.

٢- وأما قوله تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَة} (لأعراف: من الآية٢٠٥) فالمقصود الذكر باللسان لأنه قال (تضرعا وخيفة ودون الجهر منالقول) ، ومن استقراء النصوص يتبين أن الذي يقيد بالنفس لفظ "الحديث"، مثل الحديث السابق: "وما حدثت به أنفسها"، أما لفظ "الكلام" فلم يعرف أنه أريد به ما في النفس فقط (٢) .

٣- أما قوله: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ} (الملك: من الآية١٣) واحتجاجهم على أن القول المسر في القلب دون اللسان لقوله تعالى في آ×ر الآية {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} ، ف-"هذه حجة ضعيفة جداً، لأن قوله {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ} يبين أن القول يسر به تارة، ويجهر به أخرى، وهذا إنما هو فيما يكون في القول الذي هو بحروف مسموعة، وقوله بعد ذلك: {إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} من باب التنبيه بالأدنى على الأعلى، فإنه إذا كان عليما بذات الصدور فعلمه بالقول المسر والمجهور به أولى" (٣) .

٤- أما قوله تعالى: {آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً} (آل عمران: من الآية٤١) فقد ذكر في مريم {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيّاً} (مريم: من الآية١٠) والمعنى: آيتك ألا تكلم الناس، لكن ترمز لهم رمزاً" (٤) .


(١) متفق عليه: البخاري، كتاب الأيمان والنذور، باب إذا خنث ناسيا في الأيمان ورقمه (٦٦٦٤) (الفتح ١١/٥٤٨-٥٤٩) ، ومسلم، كتاب الأيمان باب تجاوز الله عن حديث النفس ورقمه (١٢٧) .
(٢) انظر: ألإيمان (ص:١٣٠) .
(٣) مجموع الفتاوى (١٥/٣٦) ، وانظر: الإيمان (ص:١٣٠) .
(٤) الإيمان (ص:١٣١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>