للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- أما قول عمر في قصة السقيفة "زورت في نفسي مقالة" فهي حجة عليهم، لأن التزوير: إصلاح الكلام وتهيئته، "فلفظها يدل على أنه قدر في نفسه ما يريد أ، يقوله ولم يقله، فعلم أنه لا يكون قولا إلا إذا قيل باللسان، وقبل ذلك لم يكن قولا، لكن كان مقدرا في النفس، يراد أن يقال، كما يقدر الإنسان في نفسه أنه يحج وأنه يصلي، وأنه يسافر، إلى غير ذلك، فيكون لما يريده من القول والعمل صورة ذهنية مقدرة في النفس، ولكن لا يسمى قولا وعملا إلا إذا وجدت في الخارج ... (١) " وهذا يدل عليه الحديث السابق: إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم به أو تعمل.

٦- أما البيت المنسوب للأخطل، ففيه ما فيه من ناحية صحة نسبته إليه، حتى ألفاظ البيت حرفت لتوافق مقصود من استشهد هب من أهل الكلام، وقد تعجب شيخ الإسلام من هؤلاء الذين يحتجون بهذا البيت الذي قاله نصراني، ولم يثبت عنه - فقال: "ولو احتج محتج في مسألة بحديث أخرجاه في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لقالوا: هذا خبر واحد، ويكون مما اتفق العلماء على تصديقه وتلقيه بالقبول، وهذا البيت لم يثبت نقله عن قائله بإسناد صحيح لا واحد وأكثر من واحد، ولا تلقاه أهل العربية بالقبول (٢) ، فكيف يثبت به أدنى شيء من اللغة، فضلا عن مسمى الكلام" (٣) ، وقد أطال شيخ الإسلام في المناقشة ما يشفي ويكفي (٤) .

هذه أدلة الأشاعرة النقلية واللغوية على قولهم بالكلام النفسي، مع بيان بطلان استدلالهم فيها، وبيان أنها في الرد عليهم أقرب من أن تكون دليل لهم.

وشيخ الإسلام لم يقتصر مثل هذه الردود، وإنما ناقش حقيقة مذهبهم في الكلام النفسي، وأن قولهم فيه باطل، وقد جاءت هذه المناقشة المهمة في التسعينية


(١) الإيمان (ص:١٣١-١٣٢) ط المكتب الإسلامي.
(٢) بحثت عن هذا البيت في لسان العرب - من خلال فهارسه المطولة التي بلغت سبعة مجلدات- فلم أجده، وكذا في كتب اللغة الأخرى.
(٣) الإيمان (ص:١٣٢) .
(٤) انظر: المصدر السابق (ص:١٣٢-١٣٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>