للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم بين أن الذين زعموا أن هذا الكلام - النفسي - قديم - هو قول بعيد، وذكر أدلة كون هذا القول بعيدا - وهي أدلة إلزامية قوية - ثم ذكر أدلة من قال بقدمه ورد عليها (١) .

هذا هو الرازي الذي يعتبرونه أعظم أئمتهم ومحققيهم يقول بما يدل على بطلان مذهب الأشاعرة، وصحة مذهب أهل السنة، في مسألة من أهم المسائل وأعظمها، وبها تميز المذهب الاشعري عن غيره.

وإذا كان الرازي قد يتناقض في هذا الباب - فتارة يوافق الأشاعرة وتارة يرد عليهم - فإن غير الرازي كأبي حامد الاسفرابيني، وأبي محمد الجويني - والد إمام الحرمين - وغيرهما كانوا يخالفون الأشاعرة ويقولون إن مذهب الشافعي والإمام أحمد وسائر علماء الأمصار مخالف لما عليه هؤلاء الأشاعرة في كلام الله (٢) .

رابعاً: الرد على الأشاعرة في قولهم: إن كلام الله معنى واحد:

وقولهم: هو الأمر بكل مأمور والخبر عن كل مخبر، إن عبر عنه بالعربية كان قرآناً، وإن عبر عنه بالعبرية كان توراة، وإن عبر عنه بالسريانية كان إنجيلاً، وقولهم إن الأمر والنهي صفات للكلام، لا أنواع له، ولذلك فلا فرق بين القرآن والتوراة، ولا بين آية وآلة أخرى دلت على معنى مختلف.

وهذا من أعجب ما في مذهب الأشاعرة وأشده غرابة، حيث إنه مخالف لبدائه العقول، ولواقع الأمر أيضاً، ولا شك أن أعلام الأشاعرة - وفيهم الأئمة والقضاة والفقهاء - لم يكونوا ليقبلوا الإقرار بمثل هذا لولا أن هناك أصولا عقلية سلموها تسلطت على رؤوسهم ورقابهم لم يستطيعوا منها فكاكا ولا لها دفعا. فأصبحوا يسلمون بمثل هذه الأقوال المخالفة للعقل والنقل والفطر، ويبحثون لها عن تعليلات وتبريرات وتخريجات لا تغني شيئاً.


(١) انظر: المطالب العالية للرازي (٣/٢٠٤-٢٠٧) .
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (١٢/٥٥٧-٥٥٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>