للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: ما لا يقدر عليه لإستحالته، ولا للعجز عنه، لكن لتركه والاشتغال بضده، مثل تكليف الكافر الإيمان في حال كفره، فهذا جائز خلافا للمعتزلة، لأنه من التكليف الذي اتفق المسلمون على وقوعه في الشريعة. ولكن إطلاق تكليف ما لا يطاق على هذا مما منعه جمهور أهل العلم، وإن كان بعض المنتسبين إلى السنة قد أطلقه في ردهم على القدرية (١) .

بقي الكلام في احتج به بعض الأشاعرة من جواز تكليف الممتنع عادة، بقصة أبي لهب (٢) ، فشيخ الإسلام يرى أن هذا خطأ، لأن من أخبر الله أنه لا يؤمن وأنه يصلي النار، بعد دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - له إلى الإيمان، فهذا حق حققت عليه كلمة العذاب، فهو كالذي يعاين الملائكة وقت الموت، فلم يبق هذا مخاطباً من جهة الرسول بالأمرين المتناقضين. وهو أيضاً كقوم نوح حين أخبر الله نوحاً - عليه السلام - أنه لن يؤمن من قومه إلا من قد آمن، فلم يكن بعد هذا يأمرهم بالإيمان بهذا الخطاب (٣) .

"بل إذا قدر أنه أخبر بصليه النار المستلزم لموته على الكفر وأنه سمع هذا الخطاب ففي هذا الحال انقطع تكليفه، ولم ينفعه إيمانه حينئذ، كإيمان من يؤمن بعد معاينة العذاب، قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} (غافر: من الآية٨٥) (٤) .

فأبو لهب قد حقت عليه كلمة العذاب، فلا ينفعه الإيمان (٥) .

وهكذا فالقول الراجح هو التفصيل فيها. ومن ذلك يتبين خطأ المعتزلة والجهمية وبعض الأشاعرة علما بأن من الأشاعرة من ذلك القول الحق بتفصيله


(١) انظر: المعتمد في أصول الدين للقاضي أبي يعلى (ص:٤٦-١٤٧) ، ومجموع الفتاوى (٨/٢٩٨-٣٠٢) ، ودرء التعارض (١/٦٠) .
(٢) كالرازي في معالم أصول الدين (ص:٨٥) ، ط مكتبة الكليات الأزهرية، وانظر: مجموع الفتاوى (٨/٣٠٣) .
(٣) انظر: مجموع الفتاوى (٨/٣٠٢) ، ودرء التعارض (١/٦٣) .
(٤) انظر: درء التعارض (١/٦٣-٦٤) .
(٥) انظر: مجموع الفتاوى (٨/٤٣٨، ٤٧٣-٤٧٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>