للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤- قول أهل السنة - وهو الذي عليه محققو المتكلمين وأهل الفقه والحديث والتصوف وغيرهم - وهو التفصيل:

أفهناك استطاعة للعبد بمعنى الصحة والوسع، والتمكن وسلامة الآلات، وهي التي تكون مناط الأمر والنهي، وهي المصححة للفعل، فهذه لا يجب أن تقارن الفعل، بل تكون قبله متقدمة عليه، وهذه الاستطاعة المتقدمة صالحة للضدين ومثالها قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} (آل عمران: من الآية٩٧) ، فهذه الاستطاعة قبل الفعل ولو لم تكن إلا مع الفعل لما وجب الحج إلا على من حج، ولما عصى أحد بترك الحج.

وهذه الاستطاعة هي مناط الأمر والنهي، ويه التي يتكلم فيها الفقهاء وهي الغالبة في عرف الناس.

ب وهناك الاستطاعة التي يجب معها وجود الفعل، وهذه هي الاستطاعة المقارنة للفعل، الموجبة له، ومن أمثلتها قوله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ} (هود: من الآية٢٠) وقوله: {الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعاً} (الكهف:١٠١) "فالمراد بعدم الاستطاعة مشقة ذلك عليهم وصعوبته على نفسوهم، فنفوسهم لا تستطيع إرادته وإن كانوا قادرين على فعله لو أرادوه. وهذه حال من صده هواه أو رأيه الفاسد عن استماع كتب الله المنزلة واتباعها وقد أخبر أنه لا يستطيع ذلك، وهذه الاستطاعة هي المقارنة الموجبة له" (١) ، وهي الاستطاعة الكونية التي هي مناط القضاء والقدر، وبها يتحقق وجود الفعل (٢) .

وبهذا التفصيل - الوسط - الذي شرحه شيخ الإسلام يحل الاشكال، ويتضح الأمر. والذين حاولوا أن يوجدوا حلا للخلاف القائم بين المعتزلة والأشاعرة لم يجدوه إلا بالرجوع إلى هذا التفصيل الموافق لمذهب أهل


(١) درء التعارض (١/٦١) .
(٢) انظر: مجموع الفتاوى (٨/١٢٩-١٣٠، ٢٩٠-٢٩٢، ٣٧١-٣٧٦، ٤٤١) ، ومنهاج السنة (١/٧-٨، ٣٦٩-٣٧٣) مكتبة الرياض الحديثة، والتحفة العراقية - مجموع الفتاوى - (١٠/٣٢) ، وشرح حديث أني حرمت الظلم - مجموع الفتاوى - (١٨/١٧٢-١٧٣) ، ودرء التعارض (٩/٢٤١) .

<<  <  ج: ص:  >  >>