وبتميز هذا الجانب عند الأشاعرة والماتريدية صار مذهبهم مشهوراً بأنه مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا حق.
ولكن عند عرض مذهبهم في الجاني الثاني من قضية خلق أفعال العباد وهو جانب تعلق أفعال العباد بهم، وهل هم الفاعلون لها؟ أم هي كسب لهم، وما مدى تعلق قدرة العباد بأفعالهم ... الخ.
أقول: عند عرض مذهبهم في هذا يتضح مدى اختلافهم وبعدهم عن مذهب أهل السنة والجماعة الحقيقي.
وهناك آمر آخر، وهو أن بعض كبار الأشاعرة قد رجعوا عن آرائهم التي كانوا يقولون بها في القدر إلى مذهب أهل السنة والجماعة، وهذا يستلزم الدقة في عرض الآراء، وخاصة في نسبة الأقوال إلى أصحابها من الناحية التاريخية.
وقد عرض آراء الأشاعرة - من خلال كتبهم - نورد ما أورده الشهرستاني حول مذهب الأشاعرة في القدر، وتطور آرائهم على يد كبار علمائهم، الواحد تلو الآخر، يقول: "قال (أي أبو الحسن الأشعري) : والعبد قادر على أفعاله إذ الإنسان يجد من نفسه تفرقة ضرورية بين حركات الرعدة والرعشة، وبين حركات الاختيار والإرادة، والتفرقة راجعة إلى أن الحركات الاختيارية حاصلة تحت القدرة، متوقفة على اختيار القادر، فمن هذا قال: المكتسب هو المقدور بالقدرة الحاصلة، والحاصل تحت القدرة الحادثة.
ثم على أصل أبي الحسن: لا تأثير للقدرة الحادثة في الإحداث، لأن جهة الحدوث قضية واحدة لا تختلف بالنسبة إلى الجوهر والعرض، فلو أثرت في قضية الحدوث لأثرت في حدوث كل محدث حتى تصلح لإحداث الألوان والطعوم والروائح وتصلح لإحداث الجواهر والأجسام، فيؤدي إلى تجويز وقوع السماع على الأرض بالقدرة الحادثة، غير أن الله تعالى أجرى سننه بأن يحقق عقيب القدرة الحادثة أو تحتها، أو معها: الفعل الحاصل إذا أراده العبد وتجرد له، ويسمى هذا الفعل كسباً، فيكون خلقا من الله تعالى إبداعاً وإحداثاً، وكسبا من العبد: حصولا تحت قدرته.