ومع وضوح مذهب السلف فإن شيخ الإسلام شرح بعض القضايا الغامضة حول مذهبهم، ومنها:
١- ما يقال من أنه إذا كانت أفعال العباد مخلوقة لله، وهي فعل لهم حقيقة، فكيف نجمع بين هذين الأمرين؟
يجيب عن هذا شيخ الإسلام ابن تيمية فيقول:"قول القائل: هذا فعل هذا، وفعل هذا: لفظ فيه إجمال، فإنه تارة يراد بالفعل نفس الفعل، وتارة يراد به مسمى المصدر، فيقولك فعلت هذا أفعله فعلا، وعملت هذا أعمله عملا، فإذا أريد بالعمل نفس العمل الذي هو مسمى المصدر كصلاة الإنسان وصيامه ونحو ذلك، فالعمل هنا هو المعمول، وقد اتحد هنا مسمى المصدر والفعل، وإذا أريد بذلك ما يحصل بعمله كنساجة الثوب وبناء الدار ونحو ذلك، فالعمل هنا غير المعمول، قال تعالى:{يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَات}(سبأ: من الآية١٣) فجعل هذه المصنوعات معمولة للجن، ومن هذا الباب قوله تعالى:{وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}(الصافات:٩٦) أي والله خلقكم وخلق الأصنام التي تنحتونها ... والمقصود أن لفظ "الفعل" و"العمل" و"المصنع" أنواع وذلك كلفظ البناء والخياطة والتجارة تقع على نفس مسمى المصدر، وعلى المفعول وكذلك لفظ "التلاوة" و"القراءة" و"الكلام" و"القول" يقع على نفس مسمى المصدر، وعلى ما يحصل بذلك من نفس القول والكلام، فيراد بالتلاوة والقراءة نفس القرآن المقرؤ المتلو، كما يراد بها مسمى المصدر.
والمقصود أن القائل إذا قال: هذه التصرفات فعل الله أو فعل العبد، فإن أراد بذلك أنها فعل الله بمعنى المصدر فهذا باطل باتفاق المسلمين، وبصريح العقل، ولكن من قال هي فعل الله وأراد به أنها مفعولة مخلوقة لله كسائر المخلوقات فهذا حق"، ثم وضح المسألة فقال: "وأما من قال (وهم جمهور أهل السنة) : خلق الرب تعالى لمخلوقاته ليس هو نفس مخلوقاته، قال: إن أفعال العباد مخلوقة كسائر المخلوقات، ومفعولة للرب كسائر المفعولات، ولم يقل: إنها نفس فعل الرب وخلقه، بل قال: إنها نفس فعل العبد، وعلى هذا تزول الشبهة، فإنه يقال: