للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أوضح الأمثلة على ذلك مذهب الجهم في الإيمان، وأقوال من وافقه من الأشاعرة، فالإمام أحمد - في رده على الجهم - ألزمه بهذا الإلزام الذي قال فيه: "يلزمه أن يقول: إذا أقر ثم شد الزنار في وسطه، وصلى للصليب، وأتى الكنائس والبيع، وعمل الكبائر كلها، إلا أنه في ذلك مقر بالله، فيلزمه أن يكون عنده مؤمناً، وهذه الأشياء من أشنع ما يلزمهم" (١) ، قال شيخ الإسلام معلقاً: قلت: هذا الذي ذكره الإمام أحمد من أحسن ما احتج الناس به عليهم. جمع في ذلك جملا، يقول غيره بعضها، وهذا الإلزام لا محيد لهم عنه، ولهذا لما عرف متكلمهم مثل جهم - ومن وافقه - أنه لازم التزموه، وقالوا: لو فعل ما فعل من الأفعال الظاهرة لم يكن بذلك كافراً في الباطن، لكن يكون دليلاً على الكفر في أحكام الدنيا، فإذا احتج عليهم بنصوص تقتضي أنه يكون كافراً في الآخرة قالوا: فهذه النصوص تدل على أنه الباطن ليس معه من معرفة الله شيء، فإنها عندهم شيء واحد. فخالفوا صريح المعقول وصريح الشرع" (٢) .

ثم يقول شيخ الإسلام عن الأشاعرة الذي وافقوا الجهم: "ومن كان موافقاً لقول جهم في الإيمان بسبب انتصار أبي الحسن لقوله في الإيمان، يبقى تارة يقول بقول السلف والأئمة، وتارة يقول بقول المتكلمين الموافقين لجهم" (٣) .

ثم ضرب مثالاً بمسألة سب الله الرسول - صلى الله عليه وسلم - فقال: "حتى في مسألة سب الله ورسوله: رأيت طائفة من الحنبليين والشافعيين والمالكيين إذا تكلموا بكلام الأئمة قالوا: إن هذا كفر باطنا وظاهراً، وإذا تكلموا بكلام أولئك قالوا: هذا كفر في الظاهر، وهو في الباطن يجوز أن يكون مؤمنا تام الإيمان، فإن الإيمان عندهم لا يتبعض. ولهذا لما عرف القاضي عياض هذا من قول بعض أصحابه أنكره، ونصر قول مالك وأهل السنة، وأحسن في ذلك ...


(١) الإيمان (ص٣٨٤) ط المكتب الإسلامي.
(٢) الإيمان (ص:٣٨٤-٣٨٤) .
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>