للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك تجدهم في مسائل الإيمان يذكرون أقوال الأئمة والسلف، ويبحثون بحثا يناسب قول الجهمية؛ لأن البحث أخذوه من كتب أهل الكلام الذين نصروا قول جهم في مسائل الإيمان" (١) .

ثم ذكر شيخ الإسلام مثالاً على هذا وهو أن الفخر الرازي لما صنف مناقب الشافعي، وحكى مذهبه في الإيمان الذي هو موافق لمذهب السلف، استشكل معارضة ذلك لما يعرفه من مذهب أصحابه المرجئة وهو ممن يوافقهم على بدعتهم (٢) .

وفي الصارم المسلول لما عرض لهذه المسألة وذكر قولي القاضي أبي يعلي - أحدهما الموافق لجمهور السلف (٣) ، والثاني الموافق لقول جهم في الإيمان حيث قال أبو يعلى: "إن من قتله بلا استتابة، فهو لم يره ردة، وإنما يوجب القتل فيه حدا، وإنما نقول ذلك مع إنكاره ما شهد عليه، أو إظهاره الإقلاع عنه والتوبة، ونقتله حداً كالزنديق إذا تاب، قال: ونحن وإن أثبتنا له حكم الكافر في القتل فلا نقطع عليه بذلك لإقراره بالتوحيد، وإنكاره ما شهد به عليه ... وأما من علم أنه سبه معتقداً لاستحلاله فلا شك في كفره بذلك، وكذلك إن كان سبه في نفسه كفراً كتكذيبه أو تكفيره ونحوه، فهذا مالا إشكال فيه، وكذلك من لم يظهر التوبة واعترف بما شهد به وصمم عليه فهو كافر بقوله واستحلاله هتك حرمة الله أو حرمة نبيه" قال شيخ الإسلام: "وهذا أيضاً تثبيت منه بأن السب يكفر به لأجل استحلاله، إذا لم يكن في نفسه تكذيباً صريحاً. وهذا موضع لا بد من تحريره، ويجب أن يعلم أن القول بأن كفر الساب في نفس الأمر إنما هو لاستحلاله السب زلة منكرة وهفوة عظيمة، ويرحم الله القاضي أبا يعلى، قد ذكر في غير موضع ما يناقض ما قاله هنا، وإنما وقع من وقع في هذه المهواة بما تلقوه من كلام طائفة من متأخري المتكلمين - وهم الجهمية الإناث الذين ذهبوا مذهب الجهمية الأولى في أن الإيمان هو مجرد التصديق


(١) الإيمان (ص:٣٨٦) ط المكتب الإسلامي.
(٢) وانظر: المصدر نفسه، نفس الصفحة، وانظر: مناقب الشافعي للفخر الرازي (١٣١-١٣٢، ١٤٦-١٤٧) .
(٣) انظر: الصارم المسلول (ص:٥١٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>