أما عمل القلب من الحب والخوف والخشية والرغبة والرهبة وغيرها فقد سبق بيان أن مجرد تصديق القلب مع عدم عمله لا يمكن أن يكون إيمانا، وإلا لصار إبليس وفرعون من المؤمنين لوجود المعرفة في قلوبهم. وقد زاد شيخ الإسلام مسألة دخول أعمال القلوب في الإيمان إيضاحاً فقال:"وفي الجملة، فلا بد في الإيمان الذي في القلب من تصديق بالله ورسوله، وحب الله ورسوله، وإلا فمجرد التصديق مع البغض لله ولرسوله، ومعاداة الله ورسوله، ليس إيمانا بإتفاق المسلمين، وليس مجرد التصديق والعلم يستلزم الحب، إلا إذا كان القلب سليما من المعارض، كالحسد والكبر، لأن النفس مفطورة على حب الحق، وهو الذي يلائمها، ولا شيء أحب إلى القلوب السليمة من الله وهذا هو الحنيفية ملة إبراهيم عليه السلام الذي اتخذه الله خليلاً ...
ثم الحب التام مع القدرة يستلزم حركة البدن بالقول الظاهر والعمل الظاهر ضرورة ... فمن جعل مجرد العلم والتصديق موجبا لجميع ما يدخل في مسمى الإيمان، وكل ما سمي إيماناً فقد غلط، بل لا بد من العلم والحب، والعلم شرط في محبة المحبوب، كما أن الحياة شرط في العلم، ولكن لا يلزم من العلم بالشيء والتصديق بثبوته محبته إن لم يكن بين العالم والمعلوم معنى في المحب أحب لأجله، ولهذا كان الإنسان يصدق بثبوت أشياء كثيرة ويعلمها، وهو يبغضها كما يصدق بوجود الشياطين والكفار ويبغضهم ...
وإذا قام بالقلب التصديق به والمحبة لزم ضرورة أن يتحرك البدن بموجب ذلك من الأقوال الظاهرة، فما يظهر على البدن من الأقوال والأعمال هو موجب ما في القلب ولازمه، ودليله ومعلومه، كما أن ما يقوم بالبدن من الأقوال والأعمال له أيضاً تأثير فيما في القلب، فكل منهما يؤثر في الآخر، لكن القلب هو الأصل والبدن فرع له، والفرع يستمد من أصله، والأصل يثبت ويقوى بفرعه" (١) .