للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكتاب النبوات أفرده شيخ الإسلام للرد على الباقلاني وغيره من الأشاعرة، ومجمل ملاحظات وردود شيخ الإسلام عليهم يمكن عرضها - باختصار - كما يلي:

١- حصرهم دلائل النبوة بالمعجزات التي هي خوارق، وهذا موافق لرأي المعتزلة، وإن اختلوفا معهم في كيفية دلالتها على صدق النبي. أم رأي جمهور أهل السنة، فهو أن دلائل ثبوت نبوة الأنبياء كثيرة، ومنها المعجزات (١) .

٢- قول بعض الاشاعرة: إن المعجزة تدل على صدق النبي لئلا يفضي إلى تعجيز الرب، لأنه لا دليل على الصدق إلا خلق المعجز، فلو لم يكن دليلا لزم أن يكون الرب غير قادر على تصديق الرسول الصادق. وهذه طريقة الأشعري - في أحمد قوليه - والقاضي أحيانا، والاسفراييني وابن فورك، وأبو يعلى وغيرهم.

وبعض الأشاعرة قالوا العلم بصدق المعجز يحصل ضرورة، وهذه طريقة الجويني والرازي، لأنهم عرفوا ضعف مسلك أولئك، بسبب أنهم يقولون بتجويز أن يفعل الله كل شيء ولو كان قبيحا، ومن ذلك إظهار المعجزة على يد كذاب. فلما علم أن هذا قد يؤدي إلى عدم التفريق بين الصادق والكاذب، جعلوا المعجزة تدل على صدق النبي، وأن الله لا يظهرها على يد كاذب لئلا يفضي إلى ذلك إلى تعجيز الرب عن إثبات صدق أنبيائه. وهذا تناقض منهم. والحق أن الله لا يظهرها على يد كاذب لأنه يفعل لحكمة ولأنه منزه عن ذلك. أما من جز على الله كل قبيح فقوله باطل ومتناقض كما فعلوا هنا (٢) .

٣- وعلى مذهبهم في تعريف المعجزة، وأنها أمر خارق للعادة، مقرون بالتحدي يظهر على يد نبي، سالم من المعارضة - يجعل الفرق بين المعجزة وبين السحر والشعوذة هو فقط عدم المعارضة، وكونها جاءت على يد مدعي النبوة - وهذا فرق ضعيف جدا، لأن مسيلمة الكذاب، والأسود العنسي وغيرهما لم يعارضوا، فلو أنهم أتوا بسحر وكهانة وادعوا النبوة، فما الفرق بينهم وبين


(١) انظر: درء التعارض (٩/٤٠) .
(٢) انظر: النبوات (ص:٥١-٥٧، ١٤٨-١٤٩) ط دار الكتب العلمية، والجواب الصحيح (٤/٢٥٩-٢٦١) ، ودرء التعارض (١/٨٩-٩٠، ٩٦، ٩/٥٢-٥٣) ، وشرح الأصفهانية (ص:١٥٦-١٦٥) ت مخلوف.

<<  <  ج: ص:  >  >>