للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس أمرها إليك، وإن السلطان إنما ولاك لتحكم بين الناس، وإن إنكار المنكرات ليس مما يختص به القاضي "، فلما وصل إلى القاضي هذا الجواب غضب وأمر بأن ينادى في البلد ببطلان هذه العقيدة، ولكن الأمير سيف الدين جاغان أرسل طائفة إلى المنادي فضرب ومن كان معه، وأمر الأمير بطلب من سعى في ذلك فاختفوا، ثم إن شيخ الاسلام ابن تيمية لما هدأت الأمور جلس يوم الجمعة ثالث عشر هذا الشهر- شهر ربيع الأول- وكان تفسيره في درسه لقوله تعالى: {وإنك لعلى خلق عظيم} [القلم: ٤] وذكر الحلم وكان درسا عظيما (١) .

ثم بعد ذلك اجتمع ابن تيمية بعد ذلك بالقاضى الشافعي إمام الدين القزوينى (٢) وواعده لقراءة جزئه الذي أجاب فيه وهو المعروف بالحموية، فاجتمعوا يوم السبت رابع عشر الشهر- من الصباح إلى الثلث من الليل- ميعادا طويلا مستمرا، فقرئت جميع العقيدة وبين مراده من مواضع أشكلت، ولم يحصل إنكار عليه من الحاكم ولا ممن حضر المجلس بحيث انفصل عنهم والقاضي يقول: كل من تكلم في الشيخ يعزر "، ورجع ابن تيمية إلى دار في ملأ كثير من الناس، وهم في فرح واستبشار به (٣) ، وكان إمام الدين-كما يذكر ابن كثير- معتقده حسنا ومقصده صالحا- (٤) .

وهكذا سكنت هذه الفتنة بالاعتراف للشيخ، في أنه على الحق في عقيدته

التي كتبها و! يت " الحموية " وتعتبر من أهم وأقوى رسائل ابن تيمية التأصيلية لمذهب السلف. ومن خلال هذا العرض لهذه المحنة التي نقلها صاحب العقود الدرية نلمح الظروف والأسباب التي دعت هؤلاء للقيام عليه.


(١) انظر: العقود (ص: ٢٠٠- ٢٠٢) .
(٢) هو: عمر بن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد القزويني تولى قضاء القضاة بدل بدر الدين ابن جماعة، ثم لما جاء التتار انجفل إلى مصر سنة: ٦٩٩ هـ ومات بعد وصوله بقليل. انظر: طبقات السبكي (٨/ ٣١٠) ، والبداية والنهاية (١٣/١٤) .
(٣) ١ نظر: العقود (ص: ٢٠٢) .
(٤) انظر: البداية والنهاية (١٤/٤) .

<<  <  ج: ص:  >  >>