ليبتلى بهم عباده المؤمنين. فإذا ما تحولت المحنة والابتلاء إلى زيادة في الايمان وإيجابية في العمل في العلم وثقة تامة بهذه العقيدة التي أوذي من أجلها، وانطلاقة صادقة في الدعوة إليها، وتحويل جو المحنة- وما فيها من أذى شخصي ونفسي- إلى خدمة المبدأ الذى يدعو إليه، إذا ما أصبحت آثار وإيجابية المحنة بهذا المستوى فتلك قمة السموق التى لا يصل إليها إلا القليل من الرجال.
وقد كان شيخ الإسلام من هؤلاء، فالمحن التى مر بها تحولت بفضل الله وعونه له إلى مواقف إيجابية كان فيها الخير للإسلام والمسلمين والعزة لعقيدة أهل السنة والجماعة التى يدعو إليها: وهذه نماذج من إيجابياته فيها:
١- اختياره الذهاب إلى مصر- لما جاء طلب السلطان بإشخاصه إلى مصر- وأراد النائب أن يعتذر عنه وأن يبقى في الشام، ولكن شيخ الإسلام اختار الذهاب وقال: إن فيه مصلحة، وفعلا كان من الخير والمصلحة في ذهابه إلى هناك ومناقشاته لنفاة الصفات وللصوفية الذين كان خطرهم قد عم وطم.
٢- ثم وهو ذاهب إلى مصر- ويعلم أن أمامه قضاة يريدون محاكمتهـ يمر في الطريق على مدينة غزة ثم يعقد في جامعها مجلسا علميا عظيما، فهل كان وهو يعقد مجلسه هذا لتعليم الناس وتدريسهم لا يفكر فيما أمامه من سجن وإيذاء؟.
٣- دوره التربوي داخل السجون- إذا كان مع بقية السجناء- كما حدث له في سجنه في مصر بسبب الصوفية، فإنه لما دخل وجد السجناء مشغولين باللهو واللعب كالنرد والشطرنج مع تضييع الصلوات، فأنكر عليهم الشيخ ذلك وأمرهم بملازمة الصلاة والتوجه إلى الله بالأعمال الصالحة، وعلمهم من السنة ما يحتاجون إليه ورغبهم في أعمال الخير، حتى صار الحبس بالاشتغال بالعلم والدين خيرا من كثير من المدارس والخوانق والربط والزوايا. ومثل ذلك ما حدث له في سجن الاسكندرية.
٤- اختياره الذهاب إلى الحبس لما اختلف! فيه القضاة وتمنعوا في الحكم عليه والدولة تريد حبسه، فاختار أن يذهب بنفسه إلى الحبس دون أن يصدر في ذلك حكم قاض.