للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥- اختياره للبقاء في مصر بعد الإفراج عنه ومجيء الملك الناصر، وكان ذلك؟ يقول في خطابه لوالدته لأمور ضرورية في الدين والدنيا، وكان لبقائه في مصر هذه المدة خير كثير في نصر السنة وقمع البدعة، وإيقاف أهل الذمة من اليهود والنصارى عند حد الشرع وقد تطاولوا قبل ذلك كثيرا.

٦- أما التأليف والكتابة في أثناء سجنه، وكذلك ما يضاف إلى ذلك من التدريس والتعليم بعد سجنه كل مرة، فتلك كانت من أعظم إيجابياته فيها، ففي سجنه في الإسكندرية وكذلك في سجنه الأخير في القلعة كان مكبا على التأليف والردود، خاصة في القضايا المطروحة التي سجن من أجلها، وكذلك كان لا يخرج من سجن إلا ويتجه مباشرة إلى التدريس والتعليم، لا يأخذ فترة راحة ولا استجمام.

٧- ولما أراد الذهاب إلى الشام- موطنه، وفيه والدته الحنون- لم يذهب إلا مع الجيش للجهاد في سبيل الله، ثم لما علم أن الجيش! لن يلقى قتالا توجه في طريقه إلى القدس وعجلون وبلاد السواد وزرع- ولا تذكر الكتب ماذا فعل هناك- ولكنه لن يترك التعجل إلى دمشق إلا لأمر من أمور الخير مما اعتادهـ رحمه الله.

٨- عفوه عمن ظلمه، ومسامحته لأعدائه حتى بعد القدرة عليهم وتلك سجية فريدة شهد له بها أعداؤه، حتى قال ابن ت لوف قاضي المالكية وخصمه - بعد مجادلته للملك الناصر حتى حلم عنهم وصفح-: ما رأينا مثل ابن تيمية، حرضنا عليه فلم نقدر عليه، وقدر علينا فصفح عنا وحاجج عنا " (١) وقال أيضا: " ما رأينا أتقى من ابن تيمية، لم نبق ممكنات في السعي فيه، ولما قدر علينا عفا عنا" (٢) .

٩- وأخيرا فقد كانت المحنة بحد ذاتها سببا في ذيوع وانتشار كتب ورسائل ابن تيمية حتى قال في سجنه الأخير- في ورقة مكتوبة بالفحم- " وكانوا قد سعوا


(١) البداية والنهاية (١٤/٥٤) .
(٢) العقود (ص: ٢٨٣) .

<<  <  ج: ص:  >  >>