للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢- إن الرسل جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل، فأثبتوا لله صفات الكمال على وجه التفصيل، ونفوا عنه صفات النقص على وجه الإجمال، على الضد من أهل البدع، وقد أوضح ابن تيمية هذه المسألة - في مناسبات عديدة - يقول -رحمه الله- "والرسل عليهم صلوات الله جاءوا بإثبات مفصل ونفي مجمل، وهؤلاء ناقضوهم جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، بأن الرسل أخبرت كما أخبر الله في كتابه الذي بعث به رسوله أنه بكل شيء عليم، وعلى كل شيء قدير، وأنه حكيم عزيز، غفور ودود، وأنه خلق السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام ثم استوى على العرش، وأنه كلم موسى تكليماً، وتجلى للجبل فجعله دكا، وأنه أنزل على عبده الكتاب، إلى غير ذلك من أسمائه وصفاته، وقال في النفي والتنزيه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١] ،

{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص:٤] ، {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً} [مريم:٦٥] ، وهؤلاء الملاحدة جاءوا بنفي مفصل وإثبات مجمل، فقالوا في النفي: ليس بكذا ولا كذا ولا كذا فلا يقرب من شيء، ولا يقرب منه شيء، ولا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، ولا له كلام يقوم به، ولا له حياة، ولا علم ولا قدرة، ولا غير ذلك، ولا يشار إليه ولا يتعين ولا هو مباين للعالم ولا حال فيه، ولا داخله ولا خارجه، إلى أمثال العبارات السلبية التي لا تنطبق إلا على المعدوم، ثم قالوا في الإثبات: هو وجود مطلق، أو وجود مقيد بالأمور السلبية، وقالوا: لا تقول موجود ولا معدوم ... " (١) . ويقول:" مما يبين أن طريقة أتباع الأنبياء من أهل السنة هي الموصلة إلى الحق دون طريقة من خالفهم من الفلاسفة والمتكلمين: إن المقصود هو العلم، وطريقه هو الدليل، والأنبياء جاءوا بالإثبات المفصل والنفي المجمل، كإثبات الصفات لله مفصلة ونفي الكفؤ عنه، والفلاسفة يجيئون بالنفي المفصل: ليس بكذا ولا كذا، فإذا جاء الإثبات أثبتوا وجوداً مجملاً واضطربوا في أول مقامات ثبوته ... " (٢) . وهذه هي القاعدة العامة الغالبة، وإلا فقد يرد في النصوص الإثبات المجمل والنفي المفصل، كنفي الصاحبة والولد - كما سيأتي في الفقرة التالية.


(١) الصفدية (١/١١٦-١١٧) .
(٢) مجموع الفتاوى (٦/٦٦) ، وانظر (ص٣٦-٣٧، ٦٦-٦٧،١١٥) ، وانظر: التدمرية =

<<  <  ج: ص:  >  >>