للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٣- إن النفي الذي وصف الله تعالى به، هو ما تضمن إثبات كمال الله تعالى، وهو النفي غير المحض، أما النفي المحض - الذي لا يتضمن إثباتاً - فلم يوصف الله تعالى به، يقول شيخ الإسلام في معرض رده على نفاة الرؤية في احتجاجهم بقوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ} [الأنعام:١٠٣] :" ومما يبين ذلك أن الله تعالى ذكر هذه الآية يمدح بها نفسه سبحانه وتعالى، ومعلوم أن كون الشيء لا يرى ليس صفة مدح، لأن النفي المحض لا يكون مدحاً إن لم يتضمن أمراً ثبوتياً، لأن المعدوم أيضاً لا يرى، والمعدوم لا يمدح، فعلم أن مجرد نفي الرؤية لا مدح فيه، وهذا أصل مستمر، وهو أن العدم المحض الذي لا يتضمن ثبوتاً لا مدح فيه ولا كمال، فلا يمدح الرب نفسه به، ولا يصف نفسه به، وإنما يصفها بالنفي المتضمن معنى ثبوت كقوله {لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} وقوله {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِه} وقوله {وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} وقوله {وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [البقرة:٢٥٥] وقوله {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْض} [سبأ:٣] وقوله: {وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [قّ:٣٨] ونحو ذلك من القضايا السلبية التي يصف الرب تعالى بها نفسه، وأنها تتضمن اتصافه بصفات الكمال الثبوتية، مثل كمال حياته وقيوميته، وملكه وقدرته وعلمه وهدايته، وانفراده بالربوبية والإلهية ونحو ذلك، وكل ما يوصف به العدم المحض فلا يكون إلا عدماً محضاً، ومعلوم أن العدم المحض يقال فيه: إنه لا يرى، فعلم أن نفي الرؤية عدم محض، ولا يقال في العدم المحض: لا يدرك، وإنما يقال هذا فيما لا يدرك لعظمته لا لعدمه" (١) ،

ويقول في الرد على النفاة القائلين برفع النقيضين، الذين يقولون لا داخل العالم ولا خارجه ونحو ذلك: " ومما يبين هذا أن الصفات السلبية ليس فيها بنفسها مدح، ولا توجب كمالاً


(١) مجموع الفتاوى (٣/٣٥) ، وأيضاً (٢٠/١١١-١١٢) ، والنبوات (ص٢٢٥) ، ودرء التعارض (٥/١٦٣-١٦٤، ٦/٣٤٨) ، والتسعينية (ص١٣) ، واقتضاء الصراط المستقيم (٢/٨٥٣) ، ونقض أساس التقديس المخطوط (١/١٢١-١٢٢) .
(١) منهاج السنة: المحققة (٢/٢٤٤-٢٤٥) .

<<  <  ج: ص:  >  >>