للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا ريب أن فيه دقة وغموضا لما فيه من الألفاظ المشتركة والمعاني المشتبهة فإذا دخل معهم الطالب وخاطبوه بما تنفر عنه فطرته، فأخذ يعترض عليهم قالوا له: أنت لا تفهم هذا، وهذا لا يصلح لك، فيبقى ما في النفوس من الأنفة والحمية يحملها على أن تسلم تلك الأمور قبل تحقيقها عنده، وعلى ترك الاعتراض عليها خشية أن ينسبوه إلى نقص العلم والعقل، ونقلوا الناس في مخاطبتهم درجات كما ينقل إخوانهم القرامطة المستجيبين لهم درجة بعد درجة ... " (١) . ومن منهجهم فرارهم إلى التقليد، فرأس الطائفة إذا قال كلاما بقى ذلك الكلام "دائرا في الاتباع، يدرسونه كما يدرس المؤمنون كلام الله، وأكثر من يتكلم به لا يفهمه، وكلما كانت العبارات أبعد عن الفهم كانوا لها أشد تعظيما، وهذه حال الأمم الضالة، كلما كان الشيء مجهولا كانوا أشد له تعظيما، كما يعظم الرافضة المنتظر، الذي ليس لهم منه حس ولا خبر ولا وقعوا له على عين ولا أثر، وكذلك تعظيم الجهال من المتصوفة الغوث وخاتم الأولياء، ونحو ذلك مما لا يعرفون له حقيقة" (٢) ، ثم يقول شيخ الإسلام عن تقليدهم لشيوخهم:" وهذا القدر قد تبينته من الطوائف المخالفين للكتاب والسنة - ولو في أدنى شيء ممن رأيت كتبهم وممن خاطبتهم، وممن بلغني أخبارهم - إذا أقيمت على أحدهم الحجة العقلية التي يجب على طريقته قبولها، ولم يجد له ما يدفعها به فر إلى التقليد ولجأ إلى قول شيوخه، وقد كان في أول الأمر يدعو إلى النظر والمناظرة، والاعتصام بالعقليات والإعراض عن الشرعيات، ثم إنه في آخر الأمر لا حصل له علم من الشرعيات ولا من العقليات، بل هو كما قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ} [الحج:٣] " (٣) .

ثم يذكر تناقضهم فيقول:" ولست تجد أحدا من هؤلاء إلا متناقضا وهو نفسه يخالف قول ذلك المتبوع الذي عظمه في موضع آخر" (٤) .


(١) درء التعارض (١/٢٩٥-٢٩٦) ، وأيضا (٥/٦١-٦٢) .
(٢) درء التعارض (٥/٣١٥) .
(٣) درء التعارض (٥/٣١٧) .
(٤) نفس المصدر (٥/٣١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>